قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا حَكَم الحاكمُ فاجتهد فأصاب فله أجرانِ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجرٌ" (?).

والاختلافُ أمرٌ مقدورٌ لا يمكنُ تجاوزُه، وغالبُ الفروعِ يخضعُ للظنونِ، وهذا مِمَّا ساغ الاختلافُ فيه، ويسعُنا فيه ما وَسِع مَن قبلَنا، دونَ تبديعٍ أو تفسيقٍ أو تكفيرٍ، إذْ جمعُ الأمةِ على قولٍ واحدٍ متعذرٌ حدوثُه، ولذلك أَبَى الإمامُ مالكٌ أن يؤخذَ النَّاس بما في الموطأ، وقال للخليفةِ المنصور: "لا تفعلْ هذا؛ فإنَّ النَّاسَ قد سبقتْ إليهم أقاويلُ، وسَمِعوا أحاديثَ ورواياتٍ، وأَخَذ كلُّ قومٍ منهم بما سَبَق إليهم، وعَمِلوا به ودانوا به من اختلاف النَّاس وغيرهم، وإنَّ ردَّهم عما اعتقدوه شديدٌ، فَدَعِ الناسَ وما هم عليه ... " (?).

فإذا كان الاجتهادُ سائغًا لاختلافِ الأفهامِ، فلا يجوزُ التشنيعُ على المجتهدِ بما آلَ إليه اجتهادُه وإن خالف جمهورَ العلماءِ، أو ما استقرَّ عليه الرأيُ في بلدٍ ما، ولو استحلَّ ما ثَبَت حُرمتُه بجهلِ دليلِ الحُرمةِ لم يَقْدَحْ ذلك في علمِه ولا تُرَدُّ به شهادتُه، ولا يلحقه الوعيدُ الذي تنصُّ عليه النصوصُ، بل يقال: متأولٌ معذورٌ.

وقد عَقَد شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رسالةً عظيمةَ القدرِ سمَّاها "رفع الملامِ عن الأئمةِ الأعلام" لبيانِ أعذارِ العُلماءِ وأسبابِ اختلافِهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015