وهذا يحيى بن معين -رحمه الله- يَرْفِسُه أبو نعيمٍ الفضلُ بنُ دكينٍ -رحمه الله- ويرمي به؛ لأنه أراد أن يختبرَه، فيقول يحيى -رحمه الله-: واللهِ لرفستُه لي أحبُّ إليَّ مِن سَفْرتي (?).
وقال الشافعيُّ -رحمه الله-: قيل لسفيانَ بنِ عيينةَ: إنَّ قومًا يأتونك من أقطارِ الأرضِ تغضبُ عليهم، يوشكُ أن يذهبوا أو يتركوك. فقال للقائل: هم إذًا حمقى مثلُك، إن تركوا ما ينفعُهم لسوءِ خُلُقي.
-أيها المتفقه-، قد علمتَ أنَّ العلمَ لا يُنالُ إلا بذلِّ النَّفْسِ، فلابُدَّ لك من صبرٍ، فبدونه لن تنالَ غايتَك، ومن ذلك أن تصبرَ على شدةِ العلماءِ، فإنَّ من النَّاسِ مَن لا يحسنُ تزكيتُه إلا بالشديدِ من الأقوالِ والأفعالِ، وقد يَرَى شيخُك فيك ما لا تراه من نفسِك من الآفاتِ المهلكاتِ، فيشتدُّ عليك رأفةً بك وحرصًا عليك، فَتَدَبَّرْ!
فالعلمُ مراتبُ، ولكلِّ عالمٍ منزلةٌ، وقد أُمِرنَا بأن نُنْزِلَ النَّاسَ منازلَهم، وتقديرُ هذه المنازلِ ينبغي أن يكونَ لمن أُوتي قدرًا من العلمِ، لا إلى الجُهَّالِ.
قال الإمام الذهبي: الجاهلُ لا يعلمُ رُتبةَ نفسِه، فكيف يعرفُ رتبةَ غيرِه (?).