فصل
في التفريقِ بين العلماءِ ومَنْ دونَهم
يشتبه على طلبةِ العلمِ في هذا الزمانِ نماذجُ من "المثقفين" أو "المفكرين" أو "الخطباء" أو "الوعاظ" ويحسبون أنَّهم من العلماءِ، وعادة ما يكونُ الأمر خلافَ ظنِّهم، وقد تقدم الحديثُ عن علاماتِ "العالمِ" التي قَلَّ في زمانِنا هذا وجودُها، لذا لَزِم بيانُ شأنِ مَن اشتبه بأهلِ العلمِ ليكونَ طالبُ العلمِ على درايةٍ، فينزل النَّاسَ منازلَهم.
ففرقٌ بين عالمٍ وقارئٍ، فليس كلُّ من قرأ نُتَفًا من العلومِ، وأمعن في تشقيقِ المسائلِ، وجارى وناظر في المسألةِ والمسألتينِ صار بذلك عالمًا.
فأين هذا مِمَّن تقدم لك نعتُهم، وعرفتَ سِماتِهم وعلاماتِهم؟!!
وللأسف الأدعياء الآن أكثرُ من أن تحصيَهم.
اغترَّ قومٌ بسهولةِ تخريجِ الأحاديثِ في عصرِنا، مع وجودِ الفهارسِ العلميةِ بدايةً وظهورِ الحاسوبِ في نهايةِ الأمرِ، وصار كلٌّ يَدَّعى وصلًا بليلى، ولكنْ ليلى لا تُقِرُّ لهم بذاك، ولذلك كانت حِدَّةُ الشيخِ الألبانيِّ على هؤلاءِ في أُخرياتِ عُمُرِه، ولك أن تطالع مقدماتِ كتبِه الأخيرةِ، لترى شدةَ تعنيفِه لكلِّ من صار يتحلَّى ويزينُ اسمه بـ "الأثري".
واغترَّ آخرون بأهلِ الكلامِ من عصرِنا، مِمَّن احترفوا صناعةَ الجدلِ والمناظرةِ، وضلعوا في "المنطق" و "الكلام"، وافتتن بمعسولِ قولِهم