كَالْقِيَامِ بِعُلُومِ الشَّرْعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُجَاهِدَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي ذِمِّيٍّ فَيَجِبُ جِهَادُهُ الْحَرْبِيَّ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إسْلَامِهِ كَأَدَاءِ دَيْنٍ وَرَدِّ وَدِيعَةٍ، وَلَا يُنَافِي وُجُوبَهُ عَلَيْهِ حُرْمَةُ اسْتِعَانَتِنَا بِهِ، لَكِنْ عَدَّ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِهِ الْإِسْلَامَ وَنَقَلَهُ الْمَوَّاقُ، وَقَدْ يُقَالُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ ابْنِ رُشْدٍ الْوُجُوبُ الَّذِي يُطَالِبُ الْإِمَامُ بِسَبَبِهِ وَوُلَاةُ الْأُمُورِ الْكُفَّارَ لَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ، وَإِنْ قُلْنَا بِخِطَابِهِمْ بِالْفُرُوعِ وَأَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَلَيْهَا عَذَابًا زَائِدًا عَلَى عَذَابِ الْكُفْرِ قَالَهُ الشَّيْخُ الدُّسُوقِيُّ.
وَشَبَّهَ فِي فَرْضِيَّةِ الْكِفَايَةِ لَا بِقَيْدِ كُلِّ سَنَةٍ فَقَالَ (كَالْقِيَامِ بِعُلُومِ الشَّرْعِ) مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لَهُ غَيْرَ مَا يَجِبُ عَيْنًا وَهُوَ مَا يَحْتَاجُهُ الشَّخْصُ فِي نَفْسِهِ وَمُعَامَلَتِهِ مِنْ فِقْهٍ وَأُصُولِهِ وَحَدِيثٍ وَتَفْسِيرٍ وَعَقَائِدَ وَمَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَنَحْوٍ وَلُغَةٍ وَصَرْفٍ وَبَيَانٍ وَمَعَانٍ وَمِمَّا يَتَوَقَّفُ الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ غَيْرِ الْمَالِكِيَّةِ الْمَنْطِقُ لِقَوْلِ شَارِحِ الْمَطَالِعِ وَلِأَمْرٍ مَا أَصْبَحَ الْعُلَمَاءُ الْعَامِلُونَ الَّذِينَ تَلَأْلَأَتْ فِي ظُلُمَاتِ اللَّيَالِي قَرَائِحُهُمْ الْوَقَّادَةُ وَاسْتَنَارَ عَلَى صَفَحَاتِ الْأَيَّامِ آثَارُ خَوَاطِرِهِمْ الْمُنْقَادَةِ يَحْكُمُونَ بِوُجُوبِ مَعْرِفَةِ عِلْمِ الْمَنْطِقِ، بَلْ قَالَ السَّيِّدُ عَقِبَ هَذَا مَا نَصُّهُ إمَّا فَرْضُ عَيْنٍ لِتَوَقُّفِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ، وَإِمَّا فَرْضُ كِفَايَةٍ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ شَعَائِرِ الدَّيْنِ بِحِفْظِ عَقَائِدِهِ لَا تَتِمُّ إلَّا بِهِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ آخَرُونَ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ مَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِهِ لَا ثِقَةَ بِعِلْمِهِ وَسَمَّاهُ مِعْيَارَ الْعُلُومِ، وَالْمُرَادُ بِالْقِيَامِ بِهَا حِفْظُهَا وَإِقْرَاؤُهَا وَقِرَاءَتُهَا وَتَحْقِيقُهَا وَتَهْذِيبُهَا وَتَعْمِيمُهَا إنْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ وَتَخْصِيصُهَا كَذَلِكَ، وَتَعْبِيرُهُ بِعُلُومِ الشَّرْعِ أَحْسَنُ مِنْ تَعْبِيرِ غَيْرِهِ بِالْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْعُلُومَ الشَّرْعِيَّةَ قَاصِرَةٌ عَلَى الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ، وَالْمُرَادُ هُنَا أَعَمُّ لِزِيَادَةِ الْعَقَائِدِ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ النِّسَاءُ كَمَا فِي شَرْحِ التَّنْقِيحِ فَيَجِبُ عَلَى الْمُنَاهَلَةِ مِنْهُنَّ الْقِيَامُ بِعُلُومِ الشَّرْعِ كَمَا كَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَنِسَاءٌ تَابِعِيَّاتٌ، وَغَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ التَّقْصِيرَ ظَهَرَ فِي أَكْثَرِهِنَّ اهـ.
الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ غَيْرَ مَا يَجِبُ عَيْنًا إلَخْ الْوَاجِبُ عَيْنًا لَا يَنْحَصِرُ فِي بَابٍ مُعَيَّنٍ فَيَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ لَا يُقْدِمَ عَلَى أَمْرٍ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ وَلَوْ بِالسُّؤَالِ عَنْهُ، وَقَوْلُهُ مِمَّا يَتَوَقَّفُ