وقد غدوتُ وقرنُ الصبح منفتقٌ ... ودونهُ من سوادِ الليلِ تجليلُ
إذ أشرفَ الديكُ يدعو بعضَ أسرتهِ ... لدى الصباحِ وهم قومٌ معازيلُ
إلى التجارِ فأعداني بلذتهِ ... رخوُ الإزارِ كنصلِ السيفِ مشمولُ
خرقٌ يجدُّ إذا ما الأمرُ جدَّ بهِ ... مخالطُ اللهوِ واللذاتِ ضليلُ
حتى أتكأنا على فرشٍ يزينها ... من جيدِ الرقمِ أزواجٌ تهاويلُ
فيها الدجاجُ وفيها الأسدُ مخدرةً ... من كلِّ شيءٍ يرى فيها تماثيلُ
في كعبةٍ شادها بانٍ وزينها ... فيها ذبالٌ يضيءُ الليلَ مفتولُ
لنا أصيصٌ كجذمِ الحوضِ هدمهُ ... وطءُ العراكِ لديهِ الزقُّ مغلولُ
والكوبُ أزهرُ معصوبٌ بقلتهِ ... فوقَ السياعِ منَ الريحانِ إكليلُ
مبردٌ بمزاجِ الماءِ بينهما ... حبٌّ كجوزِ حمارِ الوحشِ مبزولُ
والكوبُ ملآنُ طافٍ فوقهُ زبدٌ ... وطابقُ الكبشِ في السفودِ مخلولُ
يسعى بها منصفٌ عجلانُ ينفضهُ ... فوقَ الخوانِ وفي الصاعِ التوابيلُ
ثم اصطبحنا كميتاً قرففاً أنفاً ... من طيبِ الراحِ واللذاتُ تعليلُ
صرفاً مزاجاً وأحياناً يعللنا ... شعرٌ كمذهبةِ السمانِ محمولُ
تذري حواشيهُ جيداءُ آنسهٌ ... في صوتها لسماعِ الشربِ ترتيلُ
تغدو علينا تلهينا ونصفدها ... تلقى البرودُ عليها والسرابيلُ
وقال عبدة أيضاً وهي مفضلية:
أبنيَّ إني قد كبرتُ ورابني ... بصري وفيَّ لمصلحٍ مستمتعُ
فلئن هلكتُ لقد بنيتُ مساعياً ... يبقى لكم منها مآثرُ أربعُ
ذكرُ إذا ذكرَ الكرامُ يزينكم ... ووراثةُ الحسبِ المقدمِ تنفعُ
ومقامُ أيامِ لهنَّ فضيلةٌ ... عندَ الحفيظةِ والمجامعُ تجمعُ
ولهى منَ الكسبِ الذي يغنيكمُ ... يوماً إذا احتضرَ النفوسَ المطمعُ
أوصيكمُ بتقى الإلهِ فإنهُ ... يعطي الرغائبَ من يشاءُ ويمنعُ
وببرَّ والدكم وطاعةِ أمرهِ ... إنَّ الأبرَّ منَ البنينَ الأطوعُ
إنَّ الكبيرَ إذا عصاهُ أهلهُ ... ضاقت يداهُ بأمرهِ ما يصنعُ
ودعوا الضغائنَ لا تكن من شأنكم ... إنَّ الضغائنَ للقرابةِ توضعُ
واعصوا الذي يزجي النمائمَ بينكم ... متنصحاً ذاكَ السمامُ المنقعُ
يزجي عقاربهُ ليبعثَ بينكم ... حرباً كما بعثَ العروقَ الأخدعُ
حرانَ لا يشفي غليلَ فؤادهِ ... عسلٌ بماءٍ في الإناءِ مشعشعُ
لا تأمنوا قوماً يشبُّ صبيهم ... بينَ القوابلِ بالعداوةِ ينشعُ
فضلت عداوتهم على أحلامهم ... وأبت ضبابُ صدورهم لا تنزعُ
قومٌ إذا دمسَ الظلامُ عليهم ... حدجوا قنافذَ بالنميمةٍ تمزعُ
أمثالُ زيدٍ حينَ أفسدَ رهطهُ ... حتى تشتتَ أمره فتصدعوا
إنَّ الذينَ ترونهم إخوانكم ... يشفي غليلَ صدورهم أن تصرعوا
وثنيةٍ من أمرِ قومٍ غرةٍ ... فرجت يدايَ فكانَ فيها المطلعُ
ومقامِ خصمٍ قائمٍ ظلفاتهُ ... من زلَّ طارَ لهُ ثناءٌ أشنعُ
أصدرتهم فيهِ أقومُ درأهم ... عضَّ الثقافِ وهم ظماءٌ جوعُ
فرجعتهم شتى كأنَّ عميدهم ... في المهدِ يمرثُ ودعتيهِ مرضعُ
ولقد علمتُ بأنَّ قصري حفرةٌ ... غبراءُ يحملني إليها شرجعُ
فبكى بناتي شجوهنَّ وزوجتي ... والأقربونَ إليَّ ثمَّ تصدعوا
وتركتُ في غبراءَ يكرهُ وردها ... تسفي عليَّ الريحُ حينَ أودعُ
فإذا مضيتُ إلى سبيلي فابعثوا ... رجلاً لهُ قلبٌ حديدٌ أصمعُ
إنَّ الحوادثَ يخترمنَ وإنما ... عمرُ الفتى في أهلهِ مستودعُ
يسعى ويجمعُ جاهداً مستهتراً ... جداً وليسَ بآكلٍ ما يجمعُ
وقال ذو الإصبع العدواني واسمه حرثان بن السموءل وهي مفضلية:
إنكما صاحبيَّ لن تدعا ... لومي ومهما أضع فلن تسعا
إنكما من سفاهِ رأيكما ... لن تجنباني الشكاةَ والقذعا
لم تعقلا جفرةً عليَّ ولم ... أوذِ نديماً ولم أنل طبعا
إلاَّ بأن تكذبا عليَّ ولن ... أملكَ أن تكذبا وأن تلعا