فدمعي لؤلؤٌ سلسٌ عراهُ ... يخرُّ على المهاوي ما يلِيقُ
على الرَّبلاتِ إذْ شحطتْ سليمى ... وأنتَ بذكرِها طربٌ تشُوقُ
فودِّعها وإنْ كانتْ أناةً ... مبَّتلةً لها خلقٌ أنِيقُ
تلهِّي المرءَ بالحدثانِ لهواً ... وتحدجهُ كما حُدجَ المطِيقُ
فإنَّكَ لو رأيتَ غادةَ جئنا ... ببطنِ أُثالَ ضاحيةً نسُوقُ
لقينا الجهمَ ثعلبةَ بن سيرٍ ... أضرَّ بمنْ يجمِّعُ أو يسُوقُ
لدى الأعلامِ منْ تلعاتِ طفلٍ ... ومنهمْ منْ أضجَّ بهِ الفرُوقُ
فحوَّطَ عن بني بكرِ بنِ عوفٍ ... وأفناءُ العمورِ بهمْ شفِيقُ
فداءٌ خالتي لبني حييٍّ ... خصوصاً يومَ كسُّ القومِ رُوقُ
همْ صبروا وصبرهمُ تليدٌ ... على العزّاءِ إذْ بلغَ المضِيقُ
وهمْ رفعوا المنيَّةَ فاستقلُّوا ... دراكاً بعدَما كادتْ تحِيقُ
وهمْ علُّوا الرِّماحَ فأنهلوها ... وقدْ خامَ المهلِّلةُ البرُوقُ
تلاقينا برغبةِ ذي طريفٍ ... وبعضهمُ على بعضٍ حنِيقُ
مشينا شطرهمْ ومشَوا إلينا ... وقلنا اليومَ ما تُقضى الحقُوقُ
فجاؤوا عارضاً برداً وجئنا ... كماءِ السَّيلِ ضاقَ بهِ الطَّريقُ
رمينا في وجوههمِ برشقٍ ... تغصُّ بهِ الحناجرُ والحلُوقُ
كأنَّ النَّبلَ بينهمُ جرادٌ ... تكفِّئهُ شآميَّةٌ خرِيقُ
وبسلٌ أنْ ترى فيهمْ كميّاً ... كَبا ليديهِ إلاَّ فيهِ فُوقُ
يهزهزُ صعدةً جرداء فيها ... سنانُ الموتِ أو قرنٌ محِيقُ
وجدْنا السِّدرَ خوّاراً ضعيفاً ... وكانَ النَّبعُ منبتهُ وثِيقُ
فألقينا الرِّماحَ وكانَ ضرباً ... مقيلَ الهامِ كلٌّ ما نذُوقُ
وجاوزتُ المنونَ بغيرِ نكسٍ ... وخاظي الجلزِ ثعلبهُ دقِيقُ
كأنَّ هزيزَنا يومَ التقينا ... هزيزَ أشاءةٍ فيها حرِيقُ
بكلِّ قرارةٍ وبكلِّ ريعٍ ... بنانُ فتًى وجمجمةٌ فلِيقُ
وكمْ منْ سيِّدٍ منَّا ومنهمْ ... بذي الطَّرفاءِ منطقهُ شهِيقُ
بكلِّ محالةٍ غادرنَ خرقاً ... منَ الفتيانِ مبسمهُ رقِيقُ
فأشبعنا السِّباعَ وأشبعوها ... فراحتْ كلّها تئقٌ يفوقُ
تركنا العرجَ عاكفةً عليهمْ ... وللغربانِ منْ شبعٍ نغِيقُ
فأبكينا نساءهمُ وأبكَوا ... نساءً ما يسوغُ لهنَّ رِيقُ
يجاوبنَ النُّباحَ بكلِّ فجرٍ ... فقدْ صلحتْ منَ النَّوحِ الحلُوقُ
فتلْنا الحارثَ الوضَّاحَ منهم ... كأنَّ سوادَ لمَّتهِ العذُوقُ
أصابتهُ رماحُ بني حييٍّ ... فخرَّ كأنَّه سيفٌ دلُوقُ
وقدْ قتلوا بهِ منَّا غلاماً ... كريماً لمْ تأشَّبهُ العرُوقُ
وسائلةٍ بثعلبةِ بنِ سيرٍ ... وقدْ أودتْ بثعلبةَ العلُوقُ
وأفلتْنا ابنَ قرّانٍ جريضاً ... تمرُّ بهِ مساعفةٌ خزُوقُ
تشقُّ الأرضَ شائلةَ الذُّنابى ... وهادِيها كأنْ جذعٌ سحِيقُ
فلمَّا أيقنُوا بالصَّبرِ منَّا ... تذُكِّرتِ العشائرُ والحدِيقُ
فأبقينا ولوْ شئنا تركْنا ... لجيماً ما تقودُ وما تسُوقُ
وقال عمرو بن قعاس المرادي:
ألا يا بيتُ بالعلياءِ بيْتُ ... ولولا حبُّ أهلكَ ما أتيْتُ
ألا يا بيتُ أهلكَ أوعدُوني ... كأنِّي كلَّ ذنبهمِ جنيْتُ
إذا ما فاتَني لحمٌ غريضٌ ... ضربتُ ذراعَ بكري فاشتويْتُ
أُرجِّلُ ذمَّتي وأجرُّ ذيلي ... وتحملُ شكَّتي أفقٌ كميْتُ
وسوداءِ المحاجرِ إلفِ صخرٍ ... تلاحظُني التَّطلعَ قدْ رميْتُ
وغصنٍ لمْ تنلْهُ كفُّ جانٍ ... مددتُ إليهِ كفِّي فاجتنيْتُ
وتامورٍ هرقتُ وليسَ خمراً ... وحبَّةِ غيرِ طاحنةٍ قضيْتُ
وبركٍ قد أثرتُ بمشرفيٍّ ... إذا ما زلَّ عنْ عقرٍ رميْتُ
وعاديةٍ لها ذنبٌ طويلٌ ... رددتُ بمضغةٍ فيما اشتهيْتُ
أثيتٌ باطلي فيكونُ حقّاً ... وحقّاً غيرَ ذي شبهٍ لويْتُ
متى ما يأتِني يومي يجدْني ... شبعتُ منَ اللَّذاذةِ واشتفيْتُ
وكمْ منْ لائمٍ في الخمرِ زارٍ ... عليَّ غدا يلومُ فما ارعويْتُ