فإمَّا ترَيني قدْ علا الشَّيبُ مفرِقي ... وفضلُ النُّهى والحلمُ عندَ التَّشبُّبِ

فإنِّي امرؤٌ ما يخبأُ النَّارَ موقدي ... بسترٍ وما تستنكرُ الضَّيفَ أكلُبي

وما أنا للمولى بذئبٍ إذا رأى ... لهُ غرَّةٌ أدْلى معَ المُتذئبِ

ولكنَّني إنْ خافَ قومي عظيمةً ... رمَوني بنحرِ المانعِ المتأرِّبِ

فصرَّفتُ صعبَ الأمرِ حتَّى أذلَّهُ ... ويركبُ مِن أظفارهِ كلَّ مركبِ

ولستُ إذا الفتيانُ هزُّوا إلى العُلى ... بذي العلَّةِ الآبي ولا المتخيِّبِ

ولا أجعلُ المعروفَ حلَّ أليَّتي ... ولا عدَةً في النَّاظرِ المتغيِّبِ

ولستُ بلاقي الحمدِ ما لمْ تجنِه ... ولا مقتدٍ باللُّبِّ ما لمْ تلبَّبِ

ولستُ بلاقي الرَّأسِ مِن آلِ فقعسٍ ... فينسبَ إلاَّ كانَ خالي أوْ أبي

وجدتُ أبي يَنمي بنيهِ وينتمِي ... إلى الفرعِ منهمْ واللُّبابِ المهذَّبِ

إلى شجرِ النَّبعِ الذي ليسَ نابتاً ... مِن الأرضِ إلاَّ في مكانٍ مطيَّبِ

أولئكَ قومي إنْ أعدُّ الذي لهمْ ... أُكرَّمْ وإنْ أفخرْ بهمْ لمْ أُكذّبِ

همُ ملجأُ الجاني إذا كانَ خائفاً ... ومأوى الضَّريكِ والفقيرِ المعصَّبِ

بطاءٌ عنِ الفحشاءِ لا يحضرونَها ... سراعٌ إلى داعي الصَّباحِ المثوِّبِ

مناعيشُ للمولى مساميحُ بالقِرى ... مصاليتُ تحتَ العارضِ المتلهِّبِ

وجدتُ أبي فيهمْ وخالي كلاهُما ... يطاعُ ويُعطى أمرهُ وهوَ محتبي

فلم أتعمَّلْ للسَّيادةِ فيهمِ ... ولكنْ أتتْني وادعاً غيرَ متعبِ

ولمْ أتَّبعْ ما يكرهونَ ولمْ يكنْ ... لأعدائهمْ مِن سائرِ النَّاسِ منكبي

وقال الكميت أيضاً:

ظلَّتْ تعجَّبُ هندٌ أنْ رأتْ شمطي ... وراقَها لممٌ أعجبْنها سُودُ

هلْ للشَّبابِ الذي قدْ فاتَ مردودُ ... أمْ هلْ لرأسكَ بعدَ الشَّيبِ تجدِيدُ

أمْ هلْ لغصنٍ ذوى عقبٌ فنعقبهُ ... أيَّامَ أُملودهُ والغصنُ أملُودُ

أمْ هلْ عتابكَ هذا الشَّيبَ حاسبهُ ... أمْ هلْ لِما يعجبُ الأقوامَ تخلِيدُ

والعيشُ كالزَّرعِ منهُ نابتٌ خضرٌ ... ويابسٌ يبتريهِ الدَّهرُ محصُودُ

كالجفنِ فيه اليمانِي بعدَ جدَّتهِ ... يبلى ويصفرُّ بعدَ الخُضرة العُودُ

سقياً لليلى وللعهدِ الذي عهدتْ ... لو دامَ منها على الهجرانِ معهُودُ

وأحدثُ العهدِ مِن ليلى مخالبةٌ ... شكٌّ أمانيُّ لا بخلٌ ولا جُودُ

إذْ عرَّضتْ ليَ أقوالاً لتقصدَني ... والقلبُ مِن حذرِ الهجرانِ مقصُودُ

وقدْ أراني أُراعي الخيلَ يُعجبني ... إذا تُؤمّلَ منها النَّحرُ والجِيدُ

تجلو بعودِ أراكٍ عن ذُرى برَدٍ ... كأنَّما شابهُ مسكٌ وناجُودُ

ومضحكٍ بذلتهُ عن ذُرى أشرٍ ... كأنَّه برَدٌ فيهِ أخادِيدُ

تُجري الرِّهانَ على وحفٍ غدائرهُ ... كأنَّه فوقَ متنيْها العناقِيدُ

خودٌ تنوءُ إذا قامتْ روادفُها ... وبطنُها مضمرُ الكشحينِ مخضُودُ

عرَّجت أسألُ أطلالاً بذي سلمٍ ... عن عهدِها وحبيبُ العهدِ منشُودُ

بلْ هاجكَ الرَّبعُ بالبيداءِ من عقبٍ ... وما بكاؤكَ مِن أنْ تدرسَ البِيدُ

وما يهيجكَ مِن أطلالِ منزلةٍ ... قفرٍ تنادَى بها الورقُ الهداهِيدُ

ذكرتَ بالغورِ مَن تحتلُّ واردةً ... فآبَ عينيكَ دونَ الرَّكبِ تسهِيدُ

حتَّى كأنِّي بأعلى الغورِ مِن مللٍ ... مكبَّلٌ شفَّهُ حبسٌ وتقيِيدُ

أقولُ والعيسُ صعرٌ في أزمَّتها ... ما حانَ منهنَّ بعدَ الغورِ تنجِيدُ

لفائدٍ وطُلى الأعناقِ مائلةٌ ... والعيسُ سيرَتها نعبٌ وتخوِيدُ

وقدْ قراهنَّ معروفاً رحلنَ لهُ ... سميدعٌ مِن بني الخطَّابِ محمُودُ

جمَّاعُ أنديةٍ رفَّاعُ ألويةٍ ... موفَّقٌ لثنايا الخيرِ محسُودُ

متى تقولانِ أهلُ الطَّفِّ تبلغهمْ ... مِن عينِ ملل العيديَّةُ القُودُ

غلبُ الغلابيِّ صدقاتٌ إذا وقفتْ ... للشَّمسِ هاجرةٌ شهباءُ صيخُودُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015