فأنتَ ترى منهنَّ شَدْواً تكلَّفتْ ... بهِ لكَ آياتُ الرسومِ الطَّواسمِ
كما ضربَتْ وشماً يدا بارقِيّةٍ ... بنَجرانَ أقْرَتْهُ ظهورَ المعاصمِ
أناءتْ ولم تُنضِجْ فأنتَ ترى لها ... قروفاً نمَتْ منهنَّ دونَ البَراجمِ
إلى أذرُعٍ وشَّمْنَها فكأنّها ... عَلاهُنَّ ذَرُّ المغْضَناتِ الرَّواهمِ
فأمرَتْ بها عيناكَ لمّا عرفْتَها ... بمُبْتَدِرٍ نَظْمِ الفريدَيْنِ ساجمِ
غروباً وأجفاناً تفيضُ كأنما ... همتْ من مرشاتِ الشنانٍ الهزائمِ
لعِرفانِكَ الرَّبْعَ الذي صدعَ العصا ... بهِ البَين صَدعاً ليسَ بالمُتلائمِ
وقدْ كنتُ أدري أنَّ للبَينِ صَيحةً ... على الحيِّ من يومٍ لنفسِكَ ضائمِ
كصيحتِهِ يومَ اللِّوى حينَ أشرفَتْ ... بأسفلِ ذي بَيضٍ نعاجُ الصَّرائمِ
لبِسْنَ المُوشَّى العصْبَ ثمَّ خطَتْ بهِ ... لِطافُ الكُلى بُدْنٌ عِراضُ المآكمِ
يُدَرِّينَ بالداري كلَّ عشيّةٍ ... وحُمِّ المَداري كلّ أسحمَ فاحمِ
إذا هنَّ ساقَطْنَ الأحاديثَ للفتى ... سِقاطَ حصى المَرجانِ من كفِّ ناظمِ
رمَيْنَ فأنفَذْنَ القلوبَ ولا ترى ... دماً مائراً إلا جوىً في الحَيازمِ
وخبَّرَكِ الواشونَ ألاّ أحبُّكمْ ... بلى وستورِ اللهِ ذاتِ المحارمِ
أصُدُّ وما الهجرُ الذي تحسبينَهُ ... عزاءً بنا إلاّ ابتِلاعَ العَلاقمِ
حَياءً وبُقْياً أن تشيعَ نَميمةٌ ... بنا وبكمْ أُفٍّ لأهلِ النَّمائمِ
أما إنّهُ لوْ كانَ غيركَ أرقلَتْ ... إليهِ القَنا بالمُرهفَاتِ اللهاذمِ
ولكنْ وبيتِ اللهِ ما طَلَّ مسلماً ... كغُرِّ الثنايا واضحاتِ المَلاغمِ
إذا ما بدَتْ يوماً علاقاءُ أو بَدا ... أبو توأمٍ أو شِمتَ دَيرَ ابنِ عاصمِ
قياسرَ شِيعتْ بالهِناءِ وصُتّمَتْ ... مصَفّقةَ الأقيانِ قَينِ الجماجمِ
يُرَجِّعْنَ من رُقْشٍ إذا ما أسلْنَها ... وقَرْقَرْنَ أوْعَتْها جِراءُ الغَلاصمِ
بكيتَ وأذريتَ الدموعَ صَبابةً ... وشوقاً ولا يقضي لُبانةَ هائمِ
كأنْ لم أُبرِّحْ بالغَيورِ وأقتَتِلْ ... بتَفتيرِ أبصارِ الصِّحاحِ السقائمِ
ولمْ ألهُ بالحِدْثِ الألَفِّ الذي لهُ ... غدائرُ لم يُحرمْنَ فارَ اللطائمِ
إذِ اللهوُ يَطْبِيني وإذا استَمِيلُهُ ... بمُحْلَوْلَكِ الفَودَيْنِ وحْفِ المقادمِ
وإذ أنا مُنقادٌ لكلِّ مُقَوَّدٍ ... إلى اللهوِ حَلاّفِ البَطالاتِ آثمِ
مُهينِ المطايا مُتلِفٍ غيرَ أنّني ... على هُلْكِ ما أتلفتُهُ غيرُ نادمِ
أرى خيرَ يومَيَّ الخَسيسَ وإنْ غلا ... بيَ اللؤمُ لم أحفِلْ ملامةَ لائمِ
فإنَّ دماً لو تعلمينَ جَنَيْتِهِ ... على الحيِّ جاني مثلِهِ غيرُ سالمِ
وقال أبو حيّة يمدح عمرو بن كعب:
سَلِ الأطلالَ بينَ براقِ سَلِّي ... وبينَ العُفْرِ من جرَعِ الرَّ غامِ
وما أبقى الراومِسُ كلَّ قَيظٍ ... ولا المُتَهَدِّجاتِ منَ الغَمامِ
ولا مُعْرَوْرِفٌ نشطَتْ جَنوبٌ ... بهِ هوجاءُ من بلدٍ تَهامِ
منَ العرَصاتِ غيرَ مَخَدِّ نُؤْيٍ ... كباقي الوحي خُطَّ على إمامِ
وغيرِ خوالدٍ لُوِّحْنَ حتى ... بهنَّ علامةٌ ليستْ بشامِ
كأنَّ بها حماماتٍ ثلاثاً ... مثَلْنَ ولم يطِرْنَ معَ الحمامِ
بها ارْفَضَّتْ مَساربُ مُقلتَيْهِ ... كما ارفضَّ الفريدُ منَ النظامِ
جزى اللهُ الغوانيَ يومَ قَوٍّ ... ويومَ لقِيتُهنَّ بذي سَلامِ
بما أخلَفْنَني وطَلَلْنَ دَيني ... جزاءَ المجرمينَ منَ الأنامِ
إذا رَيَّشْنَ أعيُنُهنَّ يوماً ... فلمْ يوجدْ كإحداهُنَّ رامِ
أردْنَ عشيّةَ الشَّرْوَيْنِ قتلي ... ولمْ يَرْجَبْنَ سفكَ دمٍ حرامِ
وقُلنَ لطفلةٍ منهنَّ ليستْ ... بمِتفالٍ ولا هَمَشى الكلامِ
يجُولُ وِشاحُها قلقاً عليها ... تَلُوثُ المِرْطَ فوقَ نَقاً رُكامِ
تَهادى ثمَّ يبهَرُها رديفٌ ... رَبا بتثاقُلِ القصبِ الفِخامِ