وقال الشنفرى الأزدي: الطويل
أقيموا بني عمِّي صدورَ مطيكمْ ... فإني إلى أهلٍ سواكمْ لأميلُ
فقدْ حمتِ الحاجاتُ والليلُ مقمِرٌ ... وزمتْ لطياتٍ مطايا وأرحلُ
وفي الأرضِ منأًى للكريمِ عن الأذَى ... وفيها لمنْ خافَ القِلَى متعزَّلُ
لعمركَ ما في الأرضِ ضيقٌ على امرئٍ ... سرَى راغباً أو راهباً وهوَ يعقلُ
ولِي دونكُم أهلونَ سيدٌ عملَّسٌ ... وأرقَطُ زهلولٌ وعرفاءُ جيألُ
همُ الأهلُ لا مستودعُ السرِّ ذائعٌ ... لديهمْ ولا الجانِي بما جرَّ يخذَلُ
وكلٌّ كمِيٌّ باسلٌ غيرَ أننِي ... إذا عرضتْ أولى الطرائدِ أبْسَلُ
وإنْ مدتِ الأيدِي إلى الزادِ لمْ أكُنْ ... بأعجلِهِمْ إذْ أجشعُ القومِ أعجلُ
وما ذاكَ إلاَّ بسطةٌ عنْ تفضُّلٍ ... عليهمْ وإنَّ الأفضلَ المتفضلُ
وإني كفانِي فقدَ منْ ليسَ جازياً ... بنعمَى ولا في قربهِ متنفلُ
ثلاثةُ أصحابٍ فؤادٌ مشيعٌ ... وأبيضُ إصليتٌ وصفراءُ عيطلُ
هتوفٌ من الملْسِ الجيادِ يزيُنها ... رصائعُ قدْ نيطَتْ إليها ومحمَلْ
إذا زالَّ عنْها السهمُ حنتْ كأنَّها ... مرزأةٌ ثكلَى ترنُّ وتعولُ
ولستُ بمِهيافٍ يعشِّي سوامَهُ ... مجدعَةً سقبانُها وهيَ بهَّلُ
ولا خالِفٍ دارِيَّةٍ متغزلٍ ... يروحُ ويغدُو داهناً يتكحلُ
ولستُ بعلٍّ شرهُ دونَ خيرهِ ... ألفَّ إذا ما رعتهُ اهتاجَ أعزَلُ
ولستُ بمحيارِ الظلامِ إذا نحتْ ... هدَى الهوجَلِ العسيفِ يهماءُ هوجلُ
إذا الأمعزُ الصوان لاقَى مناسِمِي ... تطايرَ منهُ قادِحٌ ومفلَّلُ
أديمُ مطالَ الجوعِ حتى أميتهُ ... وأضربُ عنهُ الذكرَ صفحاً فأذهلُ
وأستفُّ تربُ الأرضِ كيلا يُرَى لهُ ... عليَّ من الطولِ امرؤٌ متطولُ
ولولا اجتنابُ الذامِ لمْ يلْفَ مشرَبٌ ... يعاشُ بهِ إلاَّ لديَّ ومأكَلُ
ولكنَّ نفساً حرةً لا تقيمُ بي ... على الضيمِ إلاَّ ريثما أتحولُ
وأطوي على الخمصِ الحوايا كما انطوتْ ... خيوطهُ مارِيٍّ تغارُ وتقتلُ
وأغدُو على القوتِ الزهيدِ كما غدا ... أزلُّ تهاداهُ التنائفُ أطحلُ
غدا طاوياً يعارضُ الريحَ هافياً ... يخوتُ بأذنابِ الشعابِ ويعسلُ
فلما لواهُ القوتُ منْ حيثُ أمَّهُ ... دَعا فأجابتْهُ نظائرُ نحلُ
مهرتةٌ فوهٌ كأنَّ شدوقها ... شقوقَ العصِيِّ كالحاتٌ وبسلُ
فضجَّ وضجتْ بالبراحِ كأنها ... وإيّاهُ نوحٌ فوقَ علياءَ ثكَّلُ
وأغضَى وأغضتْ وائتَسَى وائْتَسَتْ لهُ ... مراميلُ عزاها وعزتْهُ مرمِلُ
شكا وشكتْ ثمَّ ارْعَوى بعدُ وارعوَتْ ... وللصبرُ إنْ لمْ ينفعِ الصبرُ أجملُ
وفاءَ وفاءَتْ عن قريٍب وكلُّها ... على نكظٍ مما يكاتِمُ مجملُ
وتشربُ أسآرِي القطا الكدرُ بعدما ... سرَتْ قرباً أحناؤها تتصلصلُ
هممتُ وهمتْ بالبراحِ وأسدَلَتْ ... وشمرَ منِّي فارِطٌ متمهلُ
فوليتُ عنها وهيَ تكبُو لعقرهِ ... ينازعُهُ منها ذقونٌ وحوصَلُ
كأنَّ وغاها حجرتيهِ وحولَهُ ... أضاميمُ من سفرِ القبائلُ نزلُ
فعبتْ غشاشاً ثمَّ مرَّتْ كأنَّها ... مع الصبحِ ركبٌ من أحاظَةَ مجفلُ
وآلفُ وجهَ الأرضِ عندَ افتراشِها ... بأهدَى تثنيهِ سناسِنُ قحلُ
وأعدلَ منحوضٍ كأنَّ فصوصَهُ ... كعابٌ دحاها لاعبٌ فهيَ مثلُ
فإنْ تبتئسْ بالشنفَرَى أمُّ قسطلٍ ... لما اغتبطتْ بالشنفرى قبلُ أطوَلُ
تنامُ إذا ما نامَ يقظَى عيونُها ... سراعاً إلى مكروهِهِ تتغلغلُ
وإلفُ همومٍ لا يزالُ تعودُهُ ... عياداً كحمَّى الربعِ بلْ هي أثقلُ
إذا وردتْ أصدرتُها ثمَّ إنَّها ... تثوبُ فتأتي منْ تحيتُ ومنْ علُ
فإما ترينِي كابْنَةِ الرمْلِ ضاحياً ... على رقةٍ أحْفَى ولا أتنعلُ
فإنِّي لمولَى الصبرِ أجتابُ بزهُ ... على مثلِ قلبِ السمعِ والحزمَ أفعلُ
وأعدِمُ أحياناُ وأغنَى وإنما ... ينالُ الغِنَى ذو البغيةِ المتبذلُ