حتى إذا لقحتْ وعولِيَ فوقها ... قردٌ يهمُّ بهِ الغرابُ الموقعُ

قربتُها للرحلِ لمّا اعتادَنِي ... سفرٌ أهمُّ بهِ وأمرٌ مجمعُ

فكأنها بعدَ الكلالةِ والسُّرَى ... علجٌ تغالِيهِ قذورٌ ملمعُ

يحتازُها عنْ جحشِها وتكفُّهُ ... عن نفسِها إنَّ اليتيمَ مدفعُ

ويظلُّ مرتئباً عليها حاذراً ... في رأسِ مرقبةٍ فلأياً يرتعُ

حتى يهيجها عشيةَ خمسِها ... للوردِ جأبٌ خلفَها متترِّعُ

يعدُو تبادِرُهُ المخارِمُ سمحجٌ ... كالدلوِ خانَ رشاؤُها المتقطعُ

حتَّى إذا وردَا عيوناً فوقَها ... غابٌ طوالٌ ثابتٌ ومصرَّعُ

لاقَى على حنبِ الشريعةِ لاطئاً ... صفوانَ في ناموسِهِ يتطلَّعُ

فرمى فأخطأها وصادفَ سهمهُ ... حجرٌ ففللَ والنضيُّ مجزعُ

أهوَى ليحمِيَ فرجَها إذْ أدبرَتْ ... زجلاً كما يحمِي النجيدُ المشرعُ

فيصكُّ صكاً بالسنابِكِ نحرَهُ ... وبجندلٍ صمٍّ فلا يتوزعُ

لا شيءَ يأتُو أتوَهُ لمّا علا ... فوقَ القطاةِ ورأسُهُ مستتلعُ

ولقدْ غدوتُ على القنيصِ وصاحِبِي ... نهدٌ مراكلُهُ مسحٌّ جرشعُ

ضافِي السبيبِ كأنَّ غصنَ أباءةٍ ... ريانَ ينفضُها إذا ما يقدَعُ

تئقٌ إذا أرْسَلْتَهُ متفاذِفٌ ... طماحُ أشرافٍ إذا ما يُنزَعُ

وكأنَّهُ فوتَ الجوالِبِ جانباً ... رئمٌ تضايفهُ كلابٌ جوعُ

داويْتُهُ كلَّ الدواءِ وزدتُهُ ... بذلاً كما يعطِي الحبيبُ الموسِعُ

فلَهُ ضريبُ الشولِ إلاَّ سؤرَهُ ... والجلُّ فهوَ مرببٌ لا يخلَعُ

فإذا نراهنُ كانَ أولَ سابقٍ ... يختالُ فارِسُهُ إذا ما يُدْفَعُ

بلْ رُبَّ يومٍ قدْ سبقنا سبقَهُ ... نعطِي ونعمرُ في الصدقِ وننفعُ

ولقدْ سبقتُ العاذلاتِ بشربةٍ ... ريا وراووقيْ عظيمٌ مترعُ

جفنٌ من الغربيبِ خالصُ لونِهِ ... كدمِ الذبيحِ إذا يشنَّ الشعشَعُ

ألهو بها يوماً وأُلهِي فتيةً ... عنْ بثهمْ إنْ ألبِسُوا وتقنعُوا

يا لهفَ منْ عرفاءَ ذاتِ فليلةٍ ... جاءَتْ إليَّ على ثلاثٍ تخمعُ

ظلتْ تراصدُنِي وتنظرُ حولها ... يريبُها رمقٌ وإنِّي مطمِعُ

وتظلَّ تنشطُنِي وتلحِمُ أجرِياً ... وسطَ العرينِ وليس حيٌّ يدفعُ

لوْ كانَ سيفِي باليمِينِ ضربْتُها ... عني ولمْ أو كلْ وجنبي الأضيعُ

ولقدْ ضربتُ بهِ فتسقطُ ضربتي ... أيدِي الكماةِ كأنهنَّ الخروعُ

ذاكِ الضياعُ فإنْ حززْتُ بمديَةٍ ... كفِّي فقولِي محسِنٌ ما يَصْنَعُ

ولقدْ غبطتُ بما ألاقِي حقبةً ... ولقدْ يمرُّ عليَّ يومٌ أشنعُ

أفبعدَ منْ ولدتْ نشيبهُ أشتكِي ... رزءَ المنيةِ أوْ أرَى أتوجعُ

ولقدْ علمتُ ولا محالةَ أننِي ... للحادثاتِ فهلْ ترينِي أجزعُ

أفنيْن عاداً ثُمَّ آلَ محرِّقٍ ... فتركنهمْ بلداً وما قدْ جمعوا

ولهنَّ كانَ الحارِثانِ كلاهُما ... ولهنَّ كانَ أخُو المصانعِ تبعُ

فعدَدتُ آبائِي إلى عرقِ الثرَى ... فدعوتهمْ فعلمْتُ أنْ لمْ يسمعوا

ذهبوا فلمْ أدْرِكهمُ ودعتْهُمُ ... غولٌ أتوْها والطريقُ المهيَعُ

لا بُدَّ من تلَفٍ مصيبٍ فانتظِرْ ... أبأرضِ قومِكَ أمْ بأخرَى تصرَعُ

وليأتينَّ عليكَ يوماً مرةً ... يُبكَى عليكَ مقنعاً لا تسمعُ

وقال متممٌ أيضاً يرثي أخاهُ مالكاً، وهي مفضلية قرأتها على شيخي ابن الخشاب: الطويل

لعمرِي وما عمرِي بتأبينِ هالكٍ ... ولا جزعاً مما أصابَ فأوْجعا

لقدْ كفنَ المنهالُ تحتَ ثيابِهِ ... فتًى غيرَ مبطانِ العشياتِ أروَعا

ولا برماً تهدِي النساءُ لعرسهِ ... إذا القشعُ من بردِ الشتاءُ تقعقعا

لبيباً أعانَ اللُّبَّ منهُ سماحةً ... خصيباً إذا ما راكبُ الجدبِ أوضعا

تراهُ كنصلِ السيفِ يهتزُّ للندى ... إذا لمْ يجدْ عندَ امرئ السوءِ مطمعا

إذا اجتزأ القومُ القداحَ وأوقدتْ ... لهمْ نارٌ أيسارٍ كفى من تضجَّعا

بمثنى الأيادِي ثمَّ لمْ يلفَ مالكٌ ... لدَى الفرثِ يحمِي اللحمَ أنْ يتوزَّعا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015