ألا طرقتْ أروَى الرحالَ وصحبتِي ... بأرضٍ يناصِي الحزنَ منها سهولُها
وقدْ غابتِ الشعرَى العبورُ وقارَبَتْ ... لتنزلَ والشعْرَى بطيءٌ نُزولُها
ألمَّتْ بشعْثٍ راكبينَ رؤوسَهُمْ ... وأكوارَ عيسٍ قدْ براها رحيلُها
تبيَّنْ خليلي ناصحَ الطرْفِ هلْ ترى ... بعينكَ ظعناً قدْ أقلَّ حمولُها
تحملنَ من صحراءِ فلجٍ ولمْ يكدْ ... بصيرٌ بها منْ ساعةٍ يستحيلُها
نواعمُ لمْ يلقينَ في العيشِ ترحَةً ... ولا عثرةً منْ جدِّ سوءٍ يزيلها
ولو باتَ يسرِي الذرُّ فوقَ جلودِها ... لأثرَ في أبشارِهِنَّ محِيلُها
تمايَلْنَ للأهواءِ حتى كأنما ... يجوزُ بها في السيرِ عمداً دليلها
فلمّا استوَى نصفُ النهارِ وأظهرَتْ ... وقدْ حانَ منْ عفْرِ الظباءِ مقيلُها
حثثنَ المطايا فاصمعَدَّتْ لشأنِها ... ومدَّ أزماتِ الجمالِ ذميلُها
فلما تلاحقْنا نبذْنا تحيةً ... إليهنَّ والتذَّ الحديثَ أصيلُها
فكان لَديْنا السِّرَّ بيْنِي وبينَها ... ولمعَ غضيضاتِ العُيونِ رَسُولها
فما خلتُها لاَّ دوالِحَ أوقِرَتْ ... وكمتْ بحملٍ نخلُها وفسيلُها
تسلسَلَ فيها جدوَلٌ منْ محلمٍ ... إذا زعزعتْها الريحُ كادَتْ تميلُها
يكادُ يحارُ المجتنِي وسطَ أيْكِها ... إذا ما تنادَى بالعَشِيِّ هدِيلُها
رأيتُ قرومَ ابْنَيْ نزارٍ كليْهِما ... إذا خطرَتْ عندَ الإمامِ فحولُها
يرونَ لهمامٍ علَيْهِمْ فضيلَةً ... إذا ما قرومُ الناسِ عدَّتْ فضولُها
وأكملَها عقلاً لدَى كلِّ موطِنٍ ... إذا وزِنَتْ فيما يشكُّ عقولُها
فتَى الناسِ همامٌ وموضِعُ بيتهِ ... برابيةٍ يعلُو الروابِي طلُولُها
فلَوْ كانَ همامٌ منَ الجنِّ أصبْحَتْ ... سجوداً لهُ جنُّ البلادِ وغولُها
نمتْهُ الذُّرَى من مالكٍ وتعطَّفَتْ ... عليْهِ الروابِي فرْعُها وأصُولُها
أجادَتْ بهِ ساداتُها فتبرعَتْ ... لأخلاقِهِ أمجادُها وخصيلُها
تذرَّى جبالاً منهمُ مكفَهرَّةً ... يكادُ يسدُّ الأفقَ منها حلولُها
تريعُ إلى صوتِ المنادِي خيولُهُمْ ... إذا ضيعَتْ عوذُ النساء وحولُها
تعدُّ لأيامِ الحفاظِ كأنَّها ... قناً لمْ يقوِّمْ دَرْأها مستحيلُها
فما تبَلَتْ تبلاً فيدرَكَ عندَها ... ولا سبقتْها في سواها تبولُها
سبُوقٌ لغاياتِ الحِفاظِ إذا جَرى ... ووَهّابُ أعناق المئين حمولُها
ودفاعُ ضيمٍ لا يُسامُ دنيَّةً ... وقطاعُ أقرانِ الأمورِ وصولُها
وأخاذُ أقصَى الحقِّ لا متهضمٌ ... أخوهُ ولا هشُّ القناةِ رذيلُها
أغرُّ أرِيبٌ ليْسَ ينقَضُ عهدُهُ ... ولا شاهداً مغبونَةً يستقيلُها
جوادٌ إذا ما أمحلَ الناسُ ممرعٌ ... كريمٌ لجوعاتِ الشتاءِ قتولُها
إذا نائباتُ الدهرِ شقتْ عليهمِ ... كفاهمْ أذاها فاستخفَّ ثقيلُها
عروفٌ لأصحابِ المرازِئِ مالهُ ... إذا عجَّ منحوتَ الصفاةِ بخيلُها
وكرارُ خلفَ المرهقينَ جوادِهِ ... حفاظاً إذا لم يحمِ أُنثَى حليلُها
ثنَى مهرهُ والخيلُ رهوٌ كأنها ... قداحٌ على كفِّيْ مفيضٍ يجيلُها
يهينُ وراءَ الحيّ نفساً كريمةً ... لكبةِ موتٍ ليْسَ يودَى قتيلُها
ويعلمُ أنَّ المرءَ ليسَ بخالدٍ ... وأنَّ منايا الناسِ يسعَى دليلُها
فإنْ عاشَ همامٌ لنا فهوَ رحمةٌ ... منَ اللهِ لمْ ينفَسْ علينا فضُولُها
وإنْ ماتَ لمْ تستبدلِ الأرضُ مثلهُ ... لأخذِ نصيبٍ أوْ لأمرٍ يغولُها
وما بتُّ إلاَّ واثقاً إنْ مدحتُهُ ... بدولةِ خيرٍ منْ نداهُ يديلُها
وقال أيضاً: الطويل
دَنا البينُ من أرْوَى فزالَتْ حمولُها ... لتشغلَ أروَى عن هواها شغُولُها
وما خفتُ منها البينَ حتى تزعزَعتْ ... هماليجُها وازورَّ عنِّي دليلُها
وأقسمُ ما تنآكَ إلاَّ تخيلَتْ ... على عاشقٍ جنانُ أرضٍ وغولُها
ترَى النفسُ أرْوَى جنةً حيلَ دونَها ... فيالكِ نفساً لا يُصابُ غليلُها