إذا طعنتْ ريحُ الصبا في فروجهِ ... تحلبَ ريانُ الأسافِل أنجلُ
إذا زعزعتهُ الريحُ جرَّ ذيولَهُ ... كما رجفتْ عوذٌ ثقالٌ مطفلُ
ملحٌّ كأنَّ البرقَ في حجراتهِ ... مصابيحُ أو أقرابُ بلقٍ تحفلُ
فلمّا انتحى نحوَ اليمامَةِ قاصِداً ... دعتهُ الجنوبُ فانثنى يتخزَّلُ
سقى لعلعاً والقرنتينِ فلمْ يكدْ ... بأثقالِهِ عن لعلَعٍ يتحملُ
وغادَر أكْمَ الحزنِ تطفو كأنها ... بما أجملَتْ منهُ دواجِنُ قفلُ
وبالمعرَسانِيّاتِ حلَّ وأرزمَتْ ... بروضِ القطا منهُ مطافيل حفلُ
لقد أوقعَ الجحافُ بالبشرِ وقعةً ... إلى الله منها المشتكَى والمعولُ
فسائلْ بنِي مروانَ ما بالُ ذمةٍ ... وحبلٍ ضعيفٍ لا يزالُ يوصَّلُ
بنزوةِ لصٍ بعدَما مرَّ مصعبٌ ... بأشعثَ لا يفلَى ولا هوَ يغسلُ
أتاكَ بهِ الجحافُ ثمَّ أمرتَهُ ... بجيرانكم عندَ البيوتِ تقتلُ
لقدْ كانَ للجيرانِ ما لوْ دعوتُمُ ... بها عاقلَ الأروَى أتتكمْ تنزَّلُ
فإلاَّ تغيرْها قريشٌ بملكها ... يكنْ عن قريشٍ مستمازٌ ومزحلُ
ونعررْ أناساً عرةً يكرهونها ... ونحيا كراماً أو نموَت فنقتلُ
وإنْ يحملوا عنهمْ فما منْ حمالةٍ ... وإنْ ثقلتْ إلاَّ دمُ القومِ أثقلُ
وإنْ يعرضوا فيها لكَ الحقَّ لا يكنْ ... عنِ الحقِّ عما ناءَ بالحقِّ نسألُ
وقد ننزلُ الثغرَ المخوفَ ويتقَى ... بنا البأسُ واليومُ الأغرُّ المحجلُ
وقال الأخطل يهجو جريراً: الكامل
كذبتكَ عينكَ أمْ رأيتَ بواسطٍ ... غسلَ الظلامِ من الربابِ خيالا
وتعرضتْ لكَ بالأبالخ بعدما ... قطعتْ بأبرقَ خلةً ووصالا
وتغولَتْ لتردَّعنّا خفيةً ... والغانياتُ يرينكَ الأهوالا
يمدُدُنَ من هفواتِهنَّ إلى الصبا ... سبباً يصدنَ به الرجالَ طوالا
ما إنْ رأيتُ كمكرهنَّ إذا جرى ... فينا ولا كحبالهنَّ حبالا
المهدياتِ لمنْ هوينَ مسبةً ... والمحسناتِ لمنْ قلينَ مقالا
يرعينَ عهدكَ ما رأينكَ شاهداً ... وإذا مذلْتَ يصرنَ عنكَ مذالا
وإذا وعدْنَكَ نائلاً أخلفنهُ ... ووجدتَ عندَ عداتهنَّ مطالا
وإذا وزنتَ حلومهنَّ مع الصبا ... رجح الصبا بحلومِهِنَّ فمالا
وإذا دعونكَ عمهنَّ فإنهُ ... نسبٌ يزيدُكَ عندهنَّ خبالا
أهيَ الصريمةُ منكِ أمَّ محلمٍ ... أمْ ذا الدلالُ فطالَ ذاكَ دلالا
ولقدْ علمتِ إذا العشارُ تروحتْ ... هدجَ الرئالِ تكبهنَّ شمالا
ترمِي العضاهَ بحاصبٍ من ثلجها ... حتى يبيتَ على العضاهِ جفالا
أنا نعجلُ بالعبيطِ لضيفنا ... قبلَ العيالِ ونقتلُ الأبطالا
أبنِيْ كلَيبٍ إنَّ عميَّ اللذا ... خلعا الملوكَ وفككا الأغلالا
وأخوهما السفاحُ ظمأ خيلَهُ ... حتى وردنَ جبا الكلابِ نهالا
يخرجنَ من ثغرِ الكلابِ عليهمِ ... خببَ السباعِ تبادِرُ الأوشالا
من كلِّ مجتنبٍ شديدٍ أسرُهُ ... سلسِ القيادِ تخالهُ مختالا
وممرةٍ أثرُ السلاحِ بنحرها ... وكأنَّ فوقَ لبانها جريالا
قبَّ البطونِ قد انطوينَ من السرى ... وطرادهنَّ إذا لقينَ قتالا
ملحَ المتونِ كأنما ألبستها ... بالماءِ إذْ يبسَ النضيحُ جلالا
ولقلَّ ما يصبحنَ إلا شزباً ... يركبنَ من عرضِ الحوادِثِ آلا
فطحنَّ حائرةَ الملوكِ بكلكلٍ ... حتى احتذينَ من الدماءِ نعالا
وأبرنَ قومَكَ يا جريرُ وغيرهمْ ... وأبرنَ من حلقِ الربابِ حلالا
ولقدْ دخلنَ على شقيقٍ بيتهُ ... ولقد رأينَ بساقِ نضرةَ خالا
وبنو غدانةَ شاخصٌ أبصارهمْ ... يسعونَ تحتَ بطونهنَّ رجالا
ينقلنهمْ نقلَ الكلابِ جراءها ... حتى وردنَ عراعراً وأثالا
خزرَ العيونِ إلى رياحٍ بعدما ... جعلتْ لضبةَ بالرماحِ ظلالا
ولما تركنَ من الغواضِرِ معصراً ... إلاَّ فصمنَ بساقِها خلخالا
ولقدْ سما لكُم الهذيلُ فنالَكُمْ ... بإرابَ حيثُ تقسمَ الأنفالا