يدبُّ مستخفياً يغشَى الضراءَ بِها ... حتى استقامتْ وأعراها لهُ الجرَدُ
فجالَ إذْ رعنهُ ينأى بجانبهِ ... وفي سوالِفها من مثلِهِ قددُ
ثمَّ ارفأنَّ حفاظاً بعدَ نفرتهِ ... فكرَّ مستكبرٌ ذو حربةٍ حردُ
فذادَها وهيَ محمرٌّ نواجذُها ... كما يذودُ أخو العميةِ النجدُ
حتى إذا عردَتْ عنهُ سوابقُها ... وعانقَ الموتَ منها سبعةٌ عددُ
منها صريعٌ وضاغٍ فوقَ حربتهِ ... كما ضغا تحتَ حدِّ العامِلِ الصردُ
ولَّى يشقُّ جمادَ الفردِ مطلعاً ... بذي النعاجِ وأعلى روقهِ جسدُ
حتى أجنَّ سوادُ الليلِ نقبَتَهُ ... حيثُ التقى السهلُ من فيحانَ والجلدُ
راحتْ كما راحَ أو تغدُو كغدوتهِ ... عنسٌ تجودُ عليها راكبٌ أفدُ
تنتابُ آلَ أبي سفيانَ واثقةً ... بفضلِ أبلَجَ منجازٍ لما يعدُ
مسألٌ يبتغي الأقوامُ نائلَهُ ... منْ كلِّ قومٍ قطينٌ حولَهُ وفدُ
جاءَتْ لعادةِ فضلٍ كانَ عوَّدَها ... منْ في يديهِ بإذْنِ اللهِ منتقدُ
وقال يمدح سعيد بن عبد الرحمن بن عتاب: الكامل
طالَ العشاءُ ونحنُ بالهضبِ ... وأرقتُ ليلةَ عادَنِي خطبي
حملتهُ وقتودَ ميسٍ فاترٍ ... سرحِ اليدينِ وشيكةِ الوثبِ
لمْ يبقِ نصِّي منْ عريكتها ... شرفاً يجنُّ سناسِنَ الصلبِ
ومعاشرٍ ودُّوا لوَ أنَّ دمي ... يسقونهُ من غيرِ ما سغبِ
ألصقتُ صحبي من هواكِ بهمْ ... وقوبلنا تنزو من الرهبِ
متختمينَ على معارِفنا ... نثنِي لهنَّ حواشِيَ العصبِ
وعلى الشمائلِ أنْ يهاجَ بنا ... جربانُ كلِّ مهندٍ عضبِ
وترى المخافةَ من مساكنِهِمْ ... بجنوبِنا كجوانِبِ النكبِ
ولقدْ مطوتُ إليكَ من بلَدٍ ... نائِي المحلِّ بأيْنُقٍ حدْبِ
متواتِراتٍ بالأكامِ إذا ... جلفَ العزازَ جوالبُ النكبِ
وكأنَّهُنَّ قطاً يصفقُهُ ... خرقُ الرياحِ بنفنفٍ رحبِ
قطريةٌ وخلالَها مهريةٌ ... منْ عندِ ذاتِ سوالِفٍ غُلْبِ
خوصٌ نواهِزُ بالسُّدوسِ إذا ... ضمَّ الحداةَ جوانِبُ الركبِ
حتى أنخنَ إلى ابنِ أكرمهمْ ... حسباً وهنَّ كمنجزِ النحبِ
فوضعنَ أزفَلَةً وردنَ بها ... بحراً خسيفاً طيبَ الشربِ
وإذا تغولَتِ البلادُ بنا ... منيتهُ وفعالهَ صحبِي
أسعيدُ إنكَ في قريشٍ كلها ... شرفُ السنامِ وموضعُ القلبِ
وقال الراعي أيضاً: الطويل
تبصرْ خليلِي هلْ ترى من ظعائِنٍ ... تحملنَ من وادِي العناقِ وثهمدِ
تحملنَ حتى قلتُ لسنَ بوارحاً ... ولا تاركاتِ الدارَ حتى ضُحى الغدِ
يطفنَ ضحياً والجمالُ مناخةٌ ... بكلِّ منيفٍ كالحصانِ المقيدِ
تخيرنَ من أثلِ الوريعةِ وانتحَى ... لها القينُ يعقوبٌ بفأسٍ ومبردِ
لهُ زئبرٌ جوفٌ كأنَّ خدودها ... خدودُ جيادٍ أشرفَتْ فوقَ مربدِ
كأنَّ مناطَ الودعِ حيثُ عقدنَهُ ... لبانُ دخيلِيٍّ أسيلِ المقلدِ
أطفنَ بهِ حتى استوى وكأنَّها ... هجائِنُ أدمٌ حولَ أعيسَ ملبدِ
فلما تركنَ الدارَ رُحنَ بيانِعٍ ... من النخلِ لا جحنٍ ولا متبددِ
فقلتُ لأصحابِي همُ الحيُّ فالحقوا ... بحوراءَ في أترابِها بنتُ معبدِ
فما ألحقتنا العيسُ حتى وجدتنِي ... أسفتُ على حادِيهمُ المتجردِ
وقد أرختِ الضبعينِ حرفٌ شملَّةٌ ... بسيرٍ كفانا منْ برِيدٍ مخودِ
فلما تداركنا نبذنا تحيةً ... ودافعَ أدنانا العوارِضَ باليدِ
صددنا صدوداً غيرَ هجرانِ بغضةٍ ... وأذنينَ أبراداً على كلِّ مجسدِ
ينازعننا رخصَ البنانِ كأنَّما ... ينازعننا هدابَ ريطٍ معضدِ
وأقصَدَ منا كلَّ منْ كان صاحياً ... صحيحَ الفؤادِ واشتفى كلُّ مقصدِ
فلمّا قضينا ملْ أحادِيثِ سلوةً ... وخفنا عيونَ الكاشِح المتفقدِ
رفعنا الجمالَ ثمَّ قلنا لقينةٍ ... صدوحِ الغناءِ من قطِينٍ مولدِ
لكِ الويلُ غنينا بهندٍ قصيدةً ... وقولِي لمنْ لا يبتغي اللهوَ يبعدِ