تقولُ حليلتي لمّا رأتنِي ... أرقتُ وضافني همٌّ دخيلُ

كأنَّك قدْ بدا لكَ بعدَ مكثٍ ... وطولِ إقامةٍ فينا رحيلُ

فقلتُ أجلَ فبعضَ اللَومِ إنّي ... قديماً لا يلائمني العذولُ

وأبيضَ ينعسُ السِّرحانُ فيهِ ... كأنَّ بياضهُ ريطٌ غسيلُ

خدتْ فيهِ برحلِي ذاتُ لوثِ ... منَ العيديّ ناجيةٌ ذمولُ

سلوكٌ حينَ تشتبهُ الفيافِي ... ويخطِئُ قصدَ وجهتِه الدَّليلُ

إذا فضلَتْ معاقدُ نسعتيْها ... وأصبحَ ضفرُها قلقاً يجولُ

على قرواءَ قد ضمرتْ ففيها ... ولم تبلغْ سليقتَها ذبولُ

طوتْ طيَّ الرِّداءِ الخرقَ حتَّى ... تقاربَ بعدَهُ سرحٌ نصولُ

منَ الكتُمِ الحوافظِ لا سقوطٌ ... إذا سقطَ المطِيُّ ولا سؤولُ

تكادُ تطيرُ إفراطاً وسغباً ... إذا زجرَتْ ومدَّ لها الجدِيلُ

إلى القرمِ الّذي فاتتْ يداهُ ... بفعلِ الخيرِ بسطةَ منْ ينبلُ

إذا ما غاليَ الحمدِ اشتراهُ ... فما إنْ يستقلُّ ولا يقيلُ

أمينُ الصّدرِ يحفظُ ما تولّى ... كما يلفى القويُّ به النَّبيلُ

نقيٌّ طاهرُ الأثوابِ برٌّ ... لكلِّ الخيرِ مصطنِعٌ محيلُ

أبا مروانَ أنتَ فتى قريشٍ ... وكهلُهُمُ إذا عدَّ الكهولُ

تولّيه العشيرةُ ما عناها ... فلا ضيقُ الذّراعِ ولا بخيلُ

إليكَ تشيرُ أيديهمُ إذا ما ... رضُوا أو غالهُمْ أمرٌ جليلُ

كلا يوميهِ بالمعروفِ طلقٌ ... وكلُّ فعالِهِ حسنٌ جميلُ

جوادٌ سابقٌ في اليسرِ بحرٌ ... وفي العلاَّتِ وهّابٌ بذولُ

تأنَّسَ بالنّباتِ إذا أتاها ... لرؤيةِ وجههِ الأرضُ المحولُ

لبهجةِ واضحٍ سهلٍ عليهِ ... إذا رئيَ المهابةُ والقبولُ

لأهلِ الودّ والقربى عليهِ ... صنائعُ بتّها برٌّ وصولُ

أيادٍ قد عرفنَ مظاهراتٍ ... له فيها التّطاولُ والفضولُ

وعفوٌ عن مسيئهمِ وصفحٌ ... يعودُ به إذا غلقَ الحجولُ

إذا هوَ لم تذكّرهُ نهاهُ ... وقارَ الدّين والرّأيُ الأصيلُ

وللفقراء عائدةٌ ورحمٌ ... ولا يقصَى الفقيرُ ولا يعيلُ

جنابٌ واسعُ الأكنافِ سهلٌ ... وظلٌ في منادحِهِ ظليلُ

وكمْ من غارمٍ فرَّجتَ عنهُ ... مغارمَ كلٌّ محمَلِها ثقيلُ

وذي لددٍ أريتَ الشّدّ حتّى ... تبيّنَ واستبانَ لهُ السّبيلُ

وأمرٍ قد فرقتَ اللّبسَ منهُ ... بحلمِ لا يجورُ ولا يميلُ

نمى بكَ في الذّؤابَةِ في قريشٍ ... بناءُ العزٍّ والمجدُ الأثيلُ

أرومٌ ثابتٌ يهتزُّ فيهِ ... بأكرَمِ منبتٍ فرعٌ أصيلُ

وقال كثير بن عبد الرحمن الخزاعيّ ومات سنة خمس ومائة يوم مات عكرمة مولى ابن عباس، وصلّي عليهما بعد الظهر:

لعزّةَ من أيّامِ ذي الغصن هاجنِي ... بضاحي قرارِ الرّوضتينِ رسومُ

فروضةُ ألجامٍ تهيجُ لي البُكا ... وروضاتُ شوطي عهدهنَّ قديمُ

هي الدّارُ وحشاً غيرَ أنْ قدْ يحلّها ... ويغنى بها شخصٌ عليَّ كريمُ

فما برباعِ الدّارِ أنْ كنتُ عالماً ... ولا بمحلِّ الغانياتِ أهِيمُ

سألتُ حكيماً أينَ صارتْ بها النَّوى ... فخبَّرني ما لا أحبُّ حكيمُ

أجدُّوا فأمَّا آلُ عزَّةَ غدوةً ... فبانوا وأمّا واسطٌ فمُقِيمُ

فما للنّوى لا باركَ اللهُ في النَّوى ... وعهدُ النَّوى عندَ المحبِّ ذميمُ

لعمرِي لئنْ كانَ الفؤادُ من الهوَى ... بغَى سقماً إنّي إذاً لسقيمُ

فإمَّا ترينِي اليومَ أبدي جلادةً ... وإنّي لعمري تحتَ ذاكَ كليمُ

وما ظعنتْ طوعاً ولكن أزالها ... زمانٌ بنا بالصّالحينَ مشومُ

فوا حزناً لمّا تفرَّقَ واسطٌ ... وأهلُ التي أهذي بها وأحُومُ

وقالَ ليَ البلاَّغُ ويحكَ إنَّها ... بغيركَ حقّاً يا كثيرُ تهيمُ

أتشخصُ والشَّخصُ الذي أنتَ عادلٌ ... به الخلدَ بينَ العائداتِ سقيمُ

يذكّرنيها كلُّ ريحٍ مريضةٍ ... لها بالتِّلاعِ القاوياتِ نسيمُ

تمرُّ السِّنونَ الماضياتُ ولا أرى ... بصحنِ الشَّبا أطلالهُنَّ تريمُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015