لقد كذبَ الواشونَ ما بحتُ عندهمْ ... بليلى ولا أرسلتُهُمْ برسولِ
فإن جاءكِ الواشُون عنّي بكذبَةٍ ... فروها ولم يأتوا لها بحويلِ
فلا تعجلِي يا ليلَ أنْ تتفَهَّمي ... بنصحٍ أتى الواشونَ أم بحبولِ
وإنْ طبتِ نفساً بالعطاءِ فأجز لي ... وخيرُ العطايا ليلَ كلُّ جزيل
وإلاَّ فإجمالٌ إليَّ فإنّني ... أحبُّ من الأخلاقِ كلَّ جميلِ
فإنْ تبذلي لي منك يوماً مودّةً ... فقدماً صنعتُ القرضَ عندَ بذولِ
وإنْ تبخلي يا ليلَ عنِّي فإنني ... توكّلنِي نفسِي بكلِّ بخيلِ
ولستُ براضٍ من خليلي بنائلٍ ... قليلٍ ولا راضٍ لهُ بقليلِ
وليس خليلي بالملول ولا الّذي ... إذا غبتُ عنه باعني بخليلِ
ولكن خليلي منْ يدومُ وصالُهُ ... ويحفظُ سرِّي عندَ كلِّ دخيلِ
ولم أرّ من ليلى نوالاً أعدُّهُ ... ألا ربَّما طالبتَ غيرَ منيلِ
يلومكَ في ليلَى وعقلكَ عندَها ... رجالٌ ولم تذهبْ لهمْ بعقولِ
يقولون ودِّعْ عنكَ ليلَى ولا تهِمْ ... بقاطعةِ الأقرانِ ذاتِ حليلِ
فما نقعتْ نفسِي بما أمروا بهِ ... ولا عجتُ من أقوالهِمُ بفتيلِ
تذكرتُ أترابَاً لعزَّةَ كالمَها ... حبينَ بليطٍ ناعمٍ وقبولِ
وكنتُ إذا لاقيتُهُنَّ كأنني ... مخالطةٌ عقلي سلافُ شمُولِ
تأطَّرنَ حتَّى قلتُ لسنَ بوارِحاً ... رجاءَ الأمانِي أنْ يقلنَ مقيلِي
فلأياً بلأيٍ ما قضينَ لُبانةُ ... من الدّارِ واستقللنَ بعدَ طويلِ
فلمّا رأى واستيقنَ البينَ صاحبي ... دعا دعوةً يا حبتَرَ بنَ سلولِ
وقلتُ وأسررتُ النّدامةَ ليتني ... وكنتُ امرأٌ أغتشُّ كلَّ عذولِ
سلكتُ سبيلَ الرّائحاتِ عشيَّةً ... مخارمَ نصْعٍ أو سلكْنَ سبيلِي
فأسعدتُ نفساً بالهوَى قبل أنْ ترَى ... عوادِيَ نأيٍ بينَنا وشغُولِ
ندمتُ على ما فاتِني يومَ بينِهمْ ... فوا حسرَتا ألاَّ يرينَ عويلِ
كأنَّ دموعَ العينِ واهيةُ الكُلَى ... وعتْ ماء غربٍ يومَ ذاكَ سجيلِ
تكنَّفَها خرقٌ تواكلنَ خرزَها ... فأرخينَهُ والسيَّرُ غيرُ بجيلِ
أقيمي فإنَّ الغورَ يا عزَّ بعدَكمْ ... إليَّ إذا ما بنتِ غيرُ جميلِ
كفَى حزناً للعينِ أنْ راءَ طرفُها ... لعزَّةَ عيراً آذنت برحيلِ
وقالوا نأتْ فاخترْ من الصبَّرِ والبُكا ... فقلتُ البُكا أشفَى إذن لغليلي
فولَّيتُ محزوناً وقلتُ لصاحبي ... أقاتلتي ليلَى بغيرِ قتِيلِ
لعزَّةَ إذ يحتلُّ بالخيفِ أهلُها ... فأوحشَ منها الخيفُ بعدَ حلولِ
وبدِّل منها بعدَ طولِ إقامةٍ ... تبعُّتَ نكباء العشِيِّ جفولِ
لقدْ أكثرَ الواشونَ فينا وفيكمُ ... ومالَ بنا الواشون كلَّ ممِيلِ
وما زلتُ في ليلَى لدُنْ طرَّ شاربي ... إلى اليومِ كالمقصَى بكلِّ سبيلِ
وقال كثير يمدح عزة وكان يحبها:
خليلَيَّ هذا ربعُ عزَّةَ فاعقِلا ... قلوصَيْكما ثمَّ أبكيا حيثُ حلَّتِ
وما كنْتُ أدرِي قبلَ عزَّةَ ما البُكا ... ولا موجعاتِ القلبِ حتَّى تولَّتِ
وما أنصفَتْ أمّا النِّساءُ فبغّضتْ ... إلينا وأمّا بالنَّوالِ فضنَّتِ
فقدْ حلفَتْ جُهداً بما نحرتُ لهُ ... قريشُ غداةَ المأزمينَ وصلَّتِ
أنادِيك ما حجَّ الحجيجُ وكبَّرَتْ ... بفيفاء آلٍ رفقةٌ وأهلَّتِ
وكانتْ لقطعِ الحبلِ بيني وبينها ... كتاذرةٍ نذراً وفتْ فأحلَّتِ
فقلتُ لها يا عزَّ كلُّ مصيبةٍ ... إذا وطِّنتْ يوماً لها النَّفس ذلَّتِ
ولم يلقَ إنسانٌ من الحبِّ ميعةً ... تغمُّ ولا عمياءَ إلاَّ تجلَّتِ
فإنْ سألَ الواشُونَ فيمَ صرمتَها ... فقلْ نفسُ حرٍّ سُلِّيتْ فتَسلتِ
كأنِّي أنادِي صخرةً حينَ أعرضتْ ... منَ الصّمِّ لو تمشِي بها العصمُ زلّتِ
صفوحٌ فما تلقاكَ إلاَّ بخيلَةً ... فمنْ ملَّ مِنها ذلكَ الوصلَ ملَّتِ
أباحتْ حمىً لم يرعَهُ النّاسُ قبلَها ... وحلَّتَ تلاعاً لم تكنْ قبلُ حلَّتِ