وهكذا، فالعواطف والميول خلقها الله في النفس، لكن توجيهها إلى أشخاص أو أشياء بعينها هو المكتسب، فالإنسان مفطور على الحب، لكن البيئة قد توجهه إلى حب الله ورسوله، وقد توجهه إلى حب الأصنام أو دجال أو فنان.. إلخ.
ثالثا: يطلق على الدوافع غير الشعورية عموما بأنها الدوافع التي لا يشعر الفرد بها أثناء قيامه بالسلوك مثل الحاجات الوجدانية والاتجاهات المعرفية والعادات القوية، ومستوى الطموح.. إلخ.
ويرى بعض المفكرين أنه لا يوجد "لا شعور" في النفس، وإنما هناك جانب مغيب في النفس، وهو الجانب الذي لا نعرف عنه إلا القليل -لأن النفس أصلها الروح، وهي علمها عند الله- وقد بين الإسلام أن النفس تتأثر بالمؤثرات الخارجية, وأن الأحداث تترك أثرها في النفس، وأن هذا الأثر قد يكون حميدا وقد يكون سيئا، كما ضرب لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمثالا حسية لهذا الأثر بالنكتة البيضاء والنكتة السوداء، كما ضرب لنا المثل في حديث القلوب الثلاثة والتي هي الأحوال الثلاثة للنفس، فالقلوب تمرض ويكون من أمراضها الكره والحقد والغيرة والحسد والقلق والاكتئاب، كما أنها تصح ومن علامات صحتها حب الخير، والإيثار، والاطمئنان والرضا، وأساس ذلك كله أن الله قد ابتلى الإنسان بالخير والشر فتنة: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} وأنه أمد الإنسان بأسباب هذا وذاك، فمن سلك طريق الخير صحت نفسه، ومن سلك طريق الشر مرضت نفسه.
وعلى هذا فليس هناك ما يسمى "باللاشعور" وليس هناك ما يسمى "بالعقد المكبوتة" وإنما هي أمراض تغلب على النفس من أحوال الشر التي تصيبها، وأنه يستعان عليها بالأدوية التي وصفها العلماء بعلاج النفوس والقلوب كما يقول ابن تيمية في الحسد والغيرة وغيرهما.
ضبط الدوافع لا كبتها:
ليس الضبط في الإسلام هو الكبت لدى مدرسة التحليل النفسي، وإنما الضبط هو عملية نفسية: عقلية وإرادية، وليس مجرد عملية بيولوجية شعورية أو غير شعورية، فقصر الضبط على الجانب البيولوجي يعني قصر الضبط على الجسم وحده، في حين أن الأصول الصريحة تدل على أن الضبط هو وظيفة النفس التي هي جماع شخصية الإنسان فيما في ذلك عقله وإرادته: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7-10] .