التطبيق غاية العلم والمعرفة

...

التطبيق هو غاية العلم والمعرفة:

إن حديث: "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة"، حديث صحيح، لكن حقيقة "لا إله إلا الله" التي تدخل الجنة، هي صلتها التي لا تنفصم عن الحكم بما أنزل الله، وتطبيق شريعة الله ومنهجه، ولذلك كان من أنواع الشرك التحاكم إلى غير شريعة الله.

وكان الوحي قاطعا في رده على المنافقين: إن كنتم مؤمنين حقا فآية إيمانكم هي تنفيذ أحكام الله: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] .

وينعى القرآن على فئة من المؤمنين يقولون ما لا يفعلون، ويصف هذا السلوك بأنه ممقوت عند الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2، 3] .

إن منهج التربية الرشيد لا توجد فيه تلك الفجوة المعهودة بين العلم والعمل، أو بين المثال والواقع، أو بين النظرية والتطبيق، فلا بد أن تكون المناهج نظرية وعملية معا، وأن ترتبط مناهج الرجال بالورش والمصانع والمزارع، وأن ترتبط مناهج البنات بإدارة البيوت، ومدارس البنات، ورياض الأطفال، ومستشفيات أمراض النساء، وبذلك يتعلم الجميع حيث يعملون، ويعملون حيث يتعلمون.

إن العلم في منهج التربية هو معرفة قوانين الله في الكون، وتطبيقاتها في عمارة الأرض، فالعلم الصحيح -إذن- هو الذي يؤدي إلى معرفة الله، وهذا العلم فريضة مقدسة: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" "رواه ابن ماجه"، وبذلك الجهد في طلب العلم جهاد، أي: عبادة، "من سلك طريقا يطلب فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة" "رواه مسلم".

نحن إذن حيال منهج فذ، فريد، شامل، متكامل لتربية الإنسان كله: جسمه وعقله ووجدانه، تربية شاملة متكاملة، تربية الإنسان القوي القادر على الإسهام في عمارة الحياة وترقيتها، الإنسان التواق إلى العدل، المناضل من أجل الظفر بالحرية، الذي تحركه الأشواق إلى الخير، والحق، والجمال، الإنسان الذي يعمر قلبه الإيمان، وحب الآخرين، والرغبة في إسعادهم، الإنسان الذي يتحدى الخطر والفقر، ويقتحم المجهول في جسارة مستعينا بالله، ليصوغ لنفسه وللناس عالما أفضل.

إن ذلك المنهج الذي يربي الإنسان الموصول القلب دائما بالله، الذي يربط بين الدنيا والآخرة، كما يربط بين ملكوت الأرض بملكوت السماء. ذلك المنهج هو هويتنا التربوية، لأنه وسيلتنا إلى تحقيق هويتنا الكلية، وهي أن نكون مسلمين حقا.

إن تطبيق هذا المنهج، حسب المفهوم السابق، يتطلب -بصورة أساسية- وبإيجاز شديد -مجموعة من الإجراءات لعل أهمها ما يأتي:

أولا: إعادة تصميم مناهج التربية في جميع مراحل التعليم العام بطريقة تتكامل فيها العلوم الشرعية -التي تشكل محورا ثابتا- مع العلوم الإنسانية والكونية، كما تتكامل كل هذه العلوم مع طبيعة المتعلمين في كل مرحلة تعليمية من حيث مطالبهم وحاجاتهم ونوعية المشكلات التي يواجهونها في حياتهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015