ترى أمها مستهترة لا يمكن أن تتعلم الفضيلة، والطفل الذي يقسو عليه أبواه لا يمكن أن يتعلم الرحمة.
وحين توجد القدوة الحسنة متمثلة في الأب المسلم، والأم ذات الدين، والمعلم الفاضل، فإن كثيرا من الجهد المطلوب لتنشئة الطفل على الإسلام يكون ميسورا وقريب الثمرة في ذات الوقت؛ لأن الطفل سيتشرب القيم الإسلامية من الجو المحيط به بطريقة تلقائة، وليس معنى هذا أن الطفل لن يحتاج إلى جهد على الإطلاق في عملية التربية، أو أنها ستتم تلقائيا عن طريق القدوة وحدها، ولكن الذي يمكن قوله هنا، إن القدوة الطيبة هي دائما قيمة موجبة، يحدث بإزائها قدر مساو من الجهد الذي يجب بذله.
هذه هي الطريقة التي ربى بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمة الإسلام الأولى ومن سار على نهجها من التابعين، وقد يكون من المناسب في هذا الصدد أن نذكر ما كتبه عمرو بن عتبة بن أبي سفيان إلى مؤدب ولده، يقول له: "ليكن أول ما تبدأ له من إصلاح بني إصلاح نفسك، فإن أعينهم معقودة بعينيك، فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح عندهم ما استقبحت، علمهم كتاب الله، ولا تكرههم عليه فيملوه، ولا تتركهم منه فيهجروه، ثم روهم من الشعر أعفه، ومن الحديث أشرفه، ولا تخرجهم من علم إلى علم حتى يحكموه، فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم، وروهم سير الحكماء، وأخلاق الأدباء، وجنبهم محادثة النساء، وتهددهم بي، وأدبهم دوني، وكن لهم كالطبيب الذي لا يعجل الدواء حتى يعرف الداء، وإياك أن تتكل على عذر مني لك، فقد اتكلت على كفاية منك"1.