القدوة هي أفضل وسائل التربية على الإطلاق، وأقربها إلى النجاح، فمن السهل تخيل منهج أو تأليف كتاب في التربية، لكن هذا المنهج يظل حبرا على ورق ما لم يتحول إلى حقيقة تتحرك في واقع الأرض، وإلى بشر يترجم بسلوكه وتصرفاته ومشاعره وأفكاره مبادئ هذا المنهج ومعانيه1، لذلك فعندما أراد الله لمنهجه أن يسود الأرض، ملأ به قلب الإنسان وعقله؛ كي يحوله إلى حقيقة في واقع الأرض، فكان أن بعث محمدا -صلى الله عليه وسلم- ليكون قدوة للناس في تطبيق هذا المنهج: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] ، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 45، 46] .
وهكذا، أرسل محمد -صلى الله عليه وسلم- ليكون قدوة للناس في تطبيق منهج الله في واقع الأرض، فكان عليه الصلاة والسلام هاديا ومربيا بسلوكه الشخصي، وليس فقط بالكلام الذي ينطق به قرآنا أو حديثا، وعن طريق القدوة، بالإضافة إلى القرآن والسنة، أنشأ محمد -صلى الله عليه وسلم- الأمة التي قال الله فيها: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110] .
وهكذا، يرى الإسلام أن القدوة هي أعظم طرق التربية، ويقيم منهجه التربوي على هذا الأساس، فلا بد للطفل من قدوة في والديه ومدرسته كي يتشرب المبادئ الإسلامية ويسير على نهجها، ولا بد للكبار من قدوة في مجتمعهم تطبعهم بطابع الإسلام وتقاليده النظيفة، ولا بد للمجتمع من قدوة في قيادته بحيث يتطلع إليها ويسير على منوالها، ولا بد أن تكون قدوة الجميع هي شخصية الرسول التي تتمثل فيها كل مبادئ الإسلام وقيمه وتعاليمه.
إن القدوة إذا كانت حسنة فإن الأمل يكون كبيرا في إصلاح الطفل، وإذا كانت القدوة سيئة فإن الاحتمال الأرجح هو فساد الطفل، وقدرة الطفل على المحاكاة الواعية وغير الواعية كبيرة جدا، فهو يلتقط بوعي وبغير وعي كل ما يراه حوله أو يسمعه، فالطفل الذي يرى أباه أو أمه تكذب لا يمكن أن يتعلم الصدق، والطفل الذي يرى أمه تغش أباه أو أخاه أو تغشه هو نفسه لا يمكن أن يتعلم الأمانة، والبنت التي