خامسا: أن يكون المحتوى نظريا وتطبيقيا
إن التصور الصحيح للمعرفة، هو أن تكون نظرية وعملية معا، فالمعرفة "الذهنية" التي لا تتحول إلى سلوك عملي هي معرفة ميتة لا يعتد بها.
روى ابن سعد في طبقاته أن أبا عبد الرحمن السلمي قال: "إنا أخذنا هذا القرآن عن قوم أخبرونا أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوهن إلى العشر الأخر، حتى يعلموا ما فيهن، ويعملوا بهن، فكنا نتعلم القرآن والعمل به.. وأنه سيرث القرآن بعدنا قوم يشربونه شرب الماء لا يجاوز تراقيهم، بل لا يجاوز حلوقهم".
ودلالة هذا أن المعرفة النظرية المجردة، ليست هي المعرفة التي يعتد بها منهج التربية في التصور الإسلامي، لأنها معرفة سطحية وميتة، لا تفعل شيئا في واقع الحياة، ولا ترقي سلوك الإنسان، إذن فوجودها وعدمه سواء، إن هذا يعني أيضا أن محتوى منهج التربية يجب أن يزود المتعلمين بالحقائق والمفاهيم والمهارات والخبرات التي تزيد من إيجابيتهم وفاعليتهم في القيام بإعمار الأرض، وترقية الحياة على ظهرها، وهذا هو مقتضى العبادة، ومقتضى الخلافة في الأرض.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2، 3] ، إن الإسلام يبتغي الحركة من وراء المعرفة، ويبتغي أن يستحيل هذه المعرفة إلى قوة دافعة، لتحقيق مدلولها في عالم الواقع، وبذلك يرتبط الإيمان بالله بتنفيذ منهجه، وترتبط المعرفة بالعمل والسلوك في واقع الحياة.