يصبح التوفيق بينهما بغية إخراج الجماعة المؤمنة التي يريدها القرآن الكريم إذ يقول: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: 208] أمرا صعبا للغاية بالنسبة لهذه الأجيال"1.

إن العلوم الحديثة لا يجب تدريسها بالحالة التي هي عليها كما وردت إلينا من الغرب، وإنما يجب إعادة صياغتها بعد تخليصها من أوشابها, وما قد يكون كامنا في ثناياها من نظريات وفلسفات عن الكون والإنسان والحياة؛ بحيث تحقق أهداف منهج التربية الإسلامية.

أما إذا أضفنا هذه العلوم إلى منهج التربية الإسلامية بالحالة التي أتت بها من الخارج فإنها سوف تهدم -دون شك- في نفوس الناشئة وعقولهم كل ما تبنيه علوم الشريعة من عقائد وقيم، وسوف تعمل ضد كل تفسير إسلامي للكون والحياة والسلوك الإنساني.

ويلقى بعض المفكرين مزيدا من الإيضاح على هذه النقطة فيقول: "إننا بتعليمنا التاريخ، والجغرافيا، وعلم الطبيعة والفيزياء، وعلوم النباتات والحيوان، وعلم طبقات الأرض، والفلك، والاقتصاد والعلوم السياسية، وسائر العلوم الحديثة الأخرى بطريقة ليس "لله" فيها أثر أو نصيب؛ فلن نتوقع أن تبدو في حياة الناس أية علامات تدل على احترامهم لشرائع الله, أو إذعانهم لمشيئته, إن القوانين التي تتحكم في الطبيعة لا تفسر في ظل هذه الطريقة على أساس أنها قوانين تنظمها قوة الخالق المبدع، ولا ينظر إلى الأحداث الكونية الكبرى على أنها مظاهر لإرادة الله سبحانه وتعالى في ملكوته، أما مشاكل الحياة ومعضلاتها فتحل دون السماح للحلول التي قدمتها الشريعة السماوية أن تؤدي وظيفتها في حلها، وهكذا لا يصبح ثمة مجال لرأي الأديان في بدء الكون ونهاية العالم أن تجد لها مكانا في كتاب الحياة".

"إن مجموعة العلوم التي تنصب في عقلية الطالب الصغير خليقة -والحالة هذه- أن تخلق في ذهنه تصورا للحياة خاليا من كل أثر للقدرة الإلهية فيها، لأن كل شيء يقدم إليه دون الإشارة إلى هذه القدرة التي خلقت كل شيء وأحسنت خلقه، فليس من الغرابة في شيء بعد ذلك أن يسلك في حياته العلمية مسالك ليس للدين فيها نصيب.. لكن الطالب ينصت من آن لآخر لصوت "الله" من ضميره وفي فطرته ويتعلم شيئا من الكتب السماوية عن بدء الخليقة ونهاية العالم، ولكنه يجد نفسه في حيرة أين يضع "الله" من هذه العلوم التي تقدمها له برامج التعليم اليوم، وقد يدفعه الشك الذي تنمي بذوره العلوم الحديثة إلى أن يطلب إثبات الله, ثم يتطرق إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015