33- الاهتمام بالمدخل الحضاري في تعليم الكبار:

لقد بدأ منهج الله للبشرية بالكبار، وبدأ بهم من المستوى الحضاري، لقد بدأ بتأسيس العقيدة في نفوسهم بعد أن محا كل الخرافات والأوهام والمعتقدات الباطلة السائدة لديهم، وبعد إقامة العقيدة خالصة، صافية في نفوس المسلمين في مكة انتقل إلى المدينة ليقيم عليها نظاما اجتماعيا متحضرا.

وعلى هذا النحو يحتاج منهج تربية الكبار في زماننا هذا إلى البداية بتصحيح المفاهيم في نفوس الكبار، وتنقيتها من الشوائب، مثل مفاهيم: لا إله إلا الله، والخلافة في الأرض، وعلاقة الإنسان بالكون والحياة، ومفاهيم: العبادة والحرية، والشورى، والحضارة، والثقافة ... إلخ1.

ومن خلال هذا العمل، وفي أثنائه يأتي التدريب على المهارات الهجائية، والتقانية المتصلة بالجانب الوظيفي وليس العكس كما هو حادث.

إن مناهج تربية الكبار الواعية هي التي ترسخ فكرة أو تعليم الكبير، وتربيته ليست مجرد لون من ألوان الوجاهة الاجتماعية، وليست فقط ضرورة أساسية للتنمية والتحديث، وإنما هي فوق كل هذا فرض فرضه الله على كل إنسان، من أجل أن يكون قادرا على ترقية نفسه، وترقية الحياة من حوله؛ فهذا هو مقتضى العبادة، ومقتضى الخلافة في الأرض.

ومنهج التربية الرشيد هو الذي يحاول المساهمة في إقدار الأمة على استعادة وسطيتها، وشهادتها على الناس، والحفاظ على تميزها، ووحدتها، ويكون ذلك عن طريق تعديل اتجاهات الدارسين، وتوجيه اهتماماتهم نحو العلم، على أساس أنه فريضة، وأن طلبه عبادة، وأنه يهدي النفس إلى الإيمان بالله، والأخوة في الله، عن طريق تزويدها بالحقائق والمعايير الإلهية الثابتة والخبرات الإنسانية المتغيرة، التي تزيد من إيجابية الإنسان وفاعليته في القيام بدوره كخليفة لله في الأرض.

بل إن هذا المنهج ينمي لدى الكبار الرغبة المتزايدة في الاستمرار في طلب العلم، حيث إن ذلك من مقتضيات المطالب المتنوعة للحياة الراقية، وحتى لا يصاب الكبير "بالقدم المعنوي" ويصبح من مخلفات الزمن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015