وهنا لا يجب أن نفهم أن أساس الرفعة هو المال فقط، فالصحيح أن كل فرد في المجتمع مرفوع مرة، ومرفوع عليه مرة أخرى، فالفرد في المجتمع مرفوع فيما يجيد وفيما يحسن، ومرفوع عليه غيره فيما لا يجيده ولا يحسنه, إذن فكل فرد فاضل في جهة ومفضول عليه في جهة أخرى، والمفضول عليه يسخر الفاضل لخدمته. إذن فكل فرد في الكون مسخر لكل فرد, وعلى هذا فلا يجب تفسير قوله تعالى: {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف: 32] على أساس أن الطبقة الأعلى تسخر الطبقة الأدنى.
إن المجتمع الإسلامي مجتمع غير طبقي، والقرآن دقيق في تعبيره، فقوله تعالى: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} [الزخرف: 32] جعلك لا تستطيع أن تحدد البعض المرفوع، ولا البعض المرفوع عليه، لأن كلمة "بعض" مبهمة، فكل بعض مرفوع وكل بعض مرفوع عليه، والاختلاف والتفاوت إنما هو في قدر الدرجات في كل زاوية وفي كل علم وفي كل فن، وفي كل مهارة، فالفاضل مرفوع بقدر مهارته في العلم ودرجة إتقانه له.
وبذلك ينسجم المجتمع ولا يتصارع، وإنما يتعاون ويتعاضد، فلو تساوى الناس في علم واحد أو فن واحد أو مهارة واحدة لتدافعوا وتصارعوا. ولكن كلا منهم يحتاج إلى الآخر، وعجز هذا تكمله قدرة ذاك، وخير الناس أنفعهم للناس، وهذه واحدة من أجل معاني العدالة.