في جانب، والفقر المدقع في جانب آخر، وهذا ما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام حين أعطى فيء بني النضير كله للمهاجرين.
ومن أجل منع المال من أن يحبس في أيدي فئة قليلة، لجأ الإسلام إلى وسائل أهمها الزكاة، والإرث، والصدقات، والمال العام أو الملكية العامة، وتربية الضمير الإنساني.
ثالثا: الملكية الفردية، فالمال مال الله، والناس مستخلفون في ملكية التصرف فيه والانتفاع به، لكنه التصرف والانتفاع الذي لا يصل إلى السفه، والناس يملكون المال بالعمل والكسب: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [النساء: 32] ، وبالإرث: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} [النساء: 7] .
العدالة بين الفرد والمجتمع:
كما أن الفرد كل له أجزاء فهو أيضا جزء من كل هو المجتمع، وقد جسم الرسول عليه الصلاة والسلام العلاقة بين الفرد والجماعة في حديثه الشريف.
"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" "أخرجه الشيخان".
فالعدالة تقتضي أن يسهم الفرد في حركة عمارة المجتمع وترقيته، لأنه لن يصلح أمر الفرد إذا ساءت أحوال المجتمع، وحركة العمارة في حياة المجتمع ليست واحدة، فالمجتمع لا يريد أفراده أطباء أو مهندسين أو قضاة أو مدرسين أو عمالا أو مزارعين، بل يريد كل هؤلاء، ومن رحمة الله بالناس أن جعل لهم مواهب وميولا ومهارات واهتمامات مختلفة ومتعددة، لأن حركة المجتمع تحتاج إلى هذا التنوع والاختلاف في الاهتمامات والمهارات والقدرات حتى تتكامل الحركة فيه، فحركة الأجزاء في المجتمع الواحد، كحركة الأعضاء في الجسد الواحد، فلكل فرد مهمة، كما أن لكل عضو مهمة، وبتكامل عمل الأعضاء يصح الإنسان ويقوى، وكذلك الحال في المجتمع.
أما فيما يتصل بحركة كل فرد ونوعيتها، وعلاقتها بغيرها داخل المجتمع، فيصورها القرآن تصويرا دقيقا في قوله تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف: 32] .