تقوم النظرية التاريخية الإسلامية على أساس "أن الواقع التاريخي الإسلامي" هو الذي ينشأ وفق أصول الإسلام وتصوراته وشرعته وموازينه. هذا وحده هو الواقع التاريخي "الإسلامي". أما ما يقع في المجتمع الذي ينتسب إلى الإسلام، خارجا عن أصوله وموازينه، فلا يجوز أن يحسب منه؛ لأنه انحراف عنه.
إن للإسلام وجوده المستقل خارج واقع المسلمين في كل جيل. فالمسلمون لم ينشئوا الإسلام، وإنما الإسلام هو الذي أنشأ المسلمين. الإسلام هو الأصل. والمسلمون فروع منه، ونتاج من نتاجه. ومن ثم فإن ما يصنعه الناس أو ما يفهمونه ليس هو الذي يحدد أصل النظام الإسلامي أو مفهوم الإسلام الأساسي، إلا أن يكون مطابقا للأصل الإسلامي الثابت المستقل عن واقع الناس ومفهومهم، والذي يقاس إليه واقع الناس في كل جيل ومفومهم، ليعلم كم هو مطابق أو منحرف عن الإسلام.
إن الأمر ليس كذلك في النظم الأرضية التي تنشأ من تصورات البشر، ومن المذاهب التي يضعونها لأنفسهم.. ذلك أن المفهومات المتغيرة للناس حينئذ، والأوضاع المتطورة في أنظمتهم، هي التي تحدد مفهوم المذاهب التي وضعوها لأنفسهم، وطبقوها على أنفسهم.
فأما في النظام الإسلامي الذي لم يصنعه الناس لأنفسهم، وإنما صنعه للناس رب الناس وخالقهم ورازقهم ومالكهم. فأما في هذا النظام فالناس إما أن يتبعوه ويقيموا أوضاعهم وفقه. فواقعهم إذن هو الواقع التاريخي "الإسلامي" وإما أن ينحرفوا عنه أو يجانبوه كلية، فليس هذا واقعا تاريخيا للإسلام، وإنما هو انحراف عن الإسلام.
فعلى هذا الاعتبار تقوم النظرية التاريخية الإسلامية، وهي تختلف تماما عن سائر النظريات التاريخية الأخرى، التي تعتبر واقع الجماعة الفعلي، هو التفسير العملي للنظرية أو المذاهب، وتبحث عن "تطور" النظرية أو المذاهب في هذا الواقع الفعلي للجماعة التي تعتنقه، وفي المفهومات المتغيرة لهذه النظرية في فكر الجماعة.
على أساس هذه النظرية يجب أن تعاد كتابة التاريخ الإسلامي، وأن يعاد النظر إلى الحياة الإسلامية بكل عناصرها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحضارية، بحيث تعطي كل أسرارها وإشعاعاتها، وتنكشف بكل خصائصها ومقوماتها.