والتعبير بأنهم {كَانُوا قَوْمًا بُورًا} تعبير مصور عجيب، عميق الدلالة؛ فالأرض البور هي الأرض المجدبة، التي لا تثمر ولا تنتج، وكذلك قلوب المترفين ونفوسهم وحياتهم جدبة، بائرة، صلبة، لا تنبض فيها حياة.
وليس معنى ما تقدم أن نجعل المدارس أماكن كريهة للناشئة، ولا أن نجعل المناهج صعبة ممقوتة، فهذا من شأنه أن يضيع كل شيء. لكن المؤكد هو أن الأمر يحتاج إلى تفكير وتدبير، على أساس أن الهدف الأساسي لمناهج التربية في التصور الإسلامي، هو إيصال المتعلم إلى درجة كماله التي هيأه الله لها. فوصول كل إنسان إلى درجة كماله الخاصة به هو الذي يهيئه بحق الخلافة في الأرض وتنفيذ منهج الله فيها.
وإعداد الإنسان للقيام بحق الخلافة في الأرض يقتضي من مناهج التربية في التصور الإسلامي أن تعمل على تحقيق أهدافها الكبرى في شخصية المسلم، وذلك كترسيخ مفهوم الإيمان بالله والأخوة في الله، وإعداد الإنسان للمساهمة في تحقيق وسطية الأمة وشهادتها على الناس، والعمل على تحقيق تميز الأمة في عقيدتها ومنهجها، وإعلاء قيم الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعمل على تحقيق ذات المتعلم وفق فطرة الله فيه، وإقداره على ترقية الحياة من حوله، وقيادتها إلى الحق والعدل والخير.
إن كل هذا لا يتحقق -بالطبع- عن طريق غرس عادات الترف، والترهل، والنعومة، وقلة الرجولة، وسيطرة الشهوات، بل يتم عن طريق إعلاء قيم الكد والكدح، والإحسان في العمل، والإتقان فيه، والاتجاه به كله إلى الله. والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل.