إن منهج التربية في التصور الإسلامي هو وحده بين كل مناهج الأرض الذي لا يفرق بين البشر على أساس طبقي أو عنصري أو طائفي، وإنما يتوجه إلى قلوبهم وضمائرهم مباشرة، حيث يكمن "الإنسان"، الجوهر الفذ، الذي تتكون منه الإنسانية. وهو بذلك الملجأ الوحيد الباقي لإنقاذ البشرية من الهول الرهيب المحدق بها.

بناء على ما سبق، فإننا -فيما أرى- لا نحتاج إلى تربية "المواطن الصالح"، "فالمواطن الصالح" عادل، مجد، أمين، متواضع، قانع. في موطنه، لكنه عادة ما يتحول إلى ظالم، مستبد، غاصب، شره، في غير موطنه، وقد رأينا صور ذلك، وما زلنا نراها كل يوم.

وخلاصة القول: إن المدرسة الإنسانية في التربية قديمة قدم الإسلام، فبينما كل مناهج الأرض تلتقي على أن هدف التربية هو إعداد "المواطن الصالح" نجد أن منهج التربية في التصور الإسلامي يسعى لتحقيق هدف أشمل وأعمق وهو إعداد "الإنسان الصالح"، "الإنسان على إطلاقه، بمعناه الإنساني الشامل، الإنسان بجوهره الكامن في أعماقه، الإنسان من حيث هو إنسان، لا من حيث هو مواطن في هذه البقعة من الأرض أو من ذلك المكان"1.

والإنسان الذي يهدف منهج التربية إلى بنائه هو الإنسان الذي يستمد منهج حياته وشعوره وسلوكه من منهج الله، وهو بالجملة الإنسان الذي يفي بشروط الخلافة التي فضله بها خالقه على كثير ممن خلق، فينشط في عمارة الأرض، وفق منهج الله، مستغلا كل الطاقات وقوى الإدراك الممنوحة له.

مفهوما "المنهج" و"البرنامج":

مما سبق يتضح أن مفهوم "المنهج" يتضمن الجانبين: النظري والتطبيقي، أو الأسس والمكونات فالمدرسة الإنسانية التي تستخدم مفهوم "المنهج أو المنهاج" تؤمن بأن وراء كل سلوك فكرة أو نظرية تحركه بشكل معين وفي اتجاه معين، قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] ، فالمنهج أو المنهاج مفهوم ذو شقين: شق فلسفي اعتقادي، وشق اجتماعي تطبيقي، وبناء على ذلك فعندما نقول: "منهج" فهذا يعني الانطلاق من الأسس والمصادر الفلسفية والإنسانية والاجتماعية التي تنعكس على المكونات التطبيقية للمنهج ابتداء بالأهداف، فالمحتوى فطرائق وأساليب التدريس والتقويم والتطوير.

أما مفهوم "برنامج" فقد شاع على يد أنصار مدرسة علم النفس السلوكي, وأصحاب المدرسة المادية السلوكية، مثل واطسون واسكنر، وجثري وغيرهم ممن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015