أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة: 31-33] .
ولا عجب في أن العلم هو شعار الإسلام الأول، فأولى الآيات التي نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هي: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1-5] ، كما جعل الإسلام طلب العلم فريضة. وطالب العلم مجاهد في سبيل الله، كما أكد الإسلام هذا الشعار في كل مناسبة حتى يذكر الإنسان، ويحرك أحاسيسه، ويثير مشاعره كلما تبلد أو ابتعد عن منهج الله، والآيات والأحاديث في ذلك أكثر من أن تحصى في هذا المقام.
أما كون العلم فطرة الله في الإنسان، فهذا يمكن فهمه من القرآن في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172] .
فالآية ترجع مسألة العلم بوحدانية الله، والاعتراف بربوبيته إلى الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وأخذ بها عليهم الميثاق في ذات أنفسهم وذات تكوينهم، ولقد شهد الكيان البشري على نفسه بهذه الحقيقة، وذلك بحكم وجوده، فوجوده يعني هذه الحقيقة.
فإذا كان العلم بوحدانية الله، والاعتراف بربوبيته -وهما غاية كل علم- فطرة في الكيان البشري، فإن تعلم كل العلوم القديمة والحديثة يجب أن تكون الغاية منه هي الحفاظ على فطرة الله في الإنسان، وحتى الرسالات والكتب السماوية ما هي إلا تذكير وتحذير وتقويم لمن ينحرفون عن فطرتهم الأولى، فقد اقتضت رحمة الله ألا يكل الناس إلى أنفسهم، فقد تنحرف عن الفطرة، وألا يكلهم إلى عقولهم فقد تضل، وأن يبعث إليهم رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
دور المناهج التربوية:
هنا يأتي دور المناهج التربوية، فالعلم ليس غاية في ذاته، وإنما هو وسيلة للحفاظ على فطرة الله في الإنسان حتى لا تنحرف عن العلم بوحدانية الله، والاعتراف بربوبيته، والمعرفة ما هي إلا وسيلة لإقدار الناس على القيام بحق الخلافة