في النظام الأول، وكضرورة ضمان حد أدنى لائق للأفراد في التربية والعمل والمسكن والصحة، وعدم القضاء المطلق على الملكية الفردية، والتقريب بين طبقات المجتمع. إلخ. في النظام الثاني -بالرغم من أوجه الشبه هذه، إلا أنها ظواهر جزئية تقوم على أصول مختلفة، بل ومتناقضة. فالربا والاحتكار -مثلا- قاعدتان أساسيتان من قواعد الملكية الفردية، ومن قواعد الاستثمار الفردي والجماعي في النظام الرأسمالي، والربا والاحتكار محرمان تحريما قاطعا في النظام الإسلامي.
والنظام الاجتماعي في الإسلام قائم على أصول ربانية تضمنتها الشريعة الإسلامية يوم جاءت قبل أكثر من أربعة عشر قرنا. فهو مجتمع قائم على هذه الشريعة، وليس نتيجة للتطورات الاجتماعية أو تابعا لها، كما هو الحال بالنسبة للنظم الأخرى.
فإذا كانت النظم البشرية قد نشأت نشوءا قاصرا، ثم تطورت وفقا لحاجات أرضية واقعية، وثمرة للصراع بين الطبقات والمصالح المتعارضة داخل المجتمعات البشرية، فإن شريعة الله، التي قام على أساسها المجتمع الإسلامي "وجدت كاملة منذ نشأتها غير مدرجة تدرجا تاريخيا"1.
"ومن ثم كانت جميع الأحكام والقوانين التي تنطبق على نشأة النظم الاجتماعية الغربية وتطورها غير منطبقة على المجتمع الإسلامي؛ لاختلاف نشأته عن نشأة تلك النظم، ولاختلاف القاعدة التي ترتكز عليها نشأته، ولاختلاف القانون الذي يحكم نموه وتطوره".
وإذا كانت المجتمعات القائمة على تشريعات وضعية تقوم فترة من الزمان ثم تنتهي، فإن المجتمع الإسلامي، الذي عاش أربعة عشر قرنا من الزمان، سيعيش، بل سيكون هو مجتمع المستقبل؛ "لأن سياج الشريعة سيظل يحرس هذا المجتمع، مهما كانت عوامل المقاومة والعداء"2.
وإذا كانت المجتمعات البشرية القائمة على تشريعات وقوانين وضعية ومؤقتة هي مجتمعات محلية، وقومية، وعنصرية، قائمة على أساس الحدود الجغرافية، فإن المجتمع الإسلامي هو مجتمع عالمي مفتوح لجميع بني الإنسان دون نظر إلى جنس أو لون أو لغة، "بل دون نظر إلى دين أو عقيدة"، فغير المسلمين يعيشون مع المسلمين في ظل المجتمع الإسلامي، على أنه لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم.
وعالمية الدعوة الإسلامية، وبالتالي النظام الاجتماعي القائم عليها، مقررة بوضوح في قوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [التكوير: 27] . {وَمَا