الخلفاء، ولولا أن هذا المقام يضيق عنها لذكرنا بعضًا منها1.
وهو صاحب فكاهة ودعابة مع علمه وفضله، والفكاهة لا تتنافى مع العلم والمروءة، فقد كان الجاحظ على علمه الوفير وفضله الكثير صاحب نكتة وحليف فكاهة، يقولها رواية حينًا ويبتكرها ويمارسها حينًا آخر. فأما فكاهات الهيثم التي رويت على لسانه فمنها ما رواه عن الضحاك بن زمل: بينا معاوية بن مروان بن الحكم واقفًا بدمشق ينتظر عبد الملك على باب طحان وحمار له يدور بالرحى وفي عنقه جلجل إذ قال للطحان: لم جعلت في عنق هذا الحمار هذا الجلجل؟ فقال الطحان: ربما أدركتني سآمة أو نعسة فإذا لم أسمع صوت الجلجل علمت أنه قد قام فصحت به. قال معاوية: أفرأيت إن قام ثم مال برأسه هكذا وهكذا -وجعل يحرك رأسه يمنة ويسرة- ما يدريك أنه قائم؟ فقال الطحان: ومن لي بحمار يعقل مثل عقل الأمير2.
ويجعل الجاحظ من الهيثم مصدرًا ثرًّا لطرائفه التي يضمنها كتابه البيان والتبيين عن النوكى والحمقى، فمن ذلك ما رواه الجاحظ عن الهيثم: خطب قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة وهو خليفة أبيه على خراسان وأتاه كتابه فقال: هذا خطاب الأمير، وهو والله أهل لأن أطيعه، وهو أبي وأكبر مني3. وقال الهيثم هذه النكتة اللطيفة: قيل لصبي، من أبوك؟ قال وَوْ وَوْ؛ لأن أباه كان يسمى كلبًا4.
على أن الهيثم بعد ذلك كله كان معترفًا بعلمه وفضله ودرايته وروايته حتى من أولئك الذين يكنون له البغضاء، فقد مر بنا قبل قليل كيف أراد الخريمي أن يهجوه فلما لم تسعفه القريحة أناب عنه الشاعر العكوك كي يهجوه. هذا الخريمي الذي فعل هذه الفعلة الشنعاء قبل الرجل العالم البريء يقول في مقام تمجيده: ما رأيت كثلاثة رجال كانوا يأكلون الناس أكلًا، حتى إذا رأوا ثلاثة رجال ذابوا كما يذوب الرصاص على النار، كان هشام بن الكلبي علامة نسابة راوية للمثالب عيابة، فإذا رأى الهيثم بن عدي ذاب كما يذوب الرصاص، ويمضي الخريمي قائلًا الشيء نفسه بالنسبة إلى علي بن الهيثم إذا رأى موسى الضبي وعلويه المغني الضارب إذا رأى مخارقًا5. فإذا عرفنا أن هشام بن الكلبي كان من وفرة العلم بحيث قال عنه إسحاق الموصلي -حسبما مر بنا عند الحديث عنه في الفصل السابق- إن الزهري