مسعود في القرآن والسنة، ويقول عن أبي موسى إنه صبغ في العلم ثم خرج منه، ويقول عن عمار بن ياسر إنه مؤمن نسي وإذا ذكر ذكر، ويقول عن حذيفة إنه أعلم أصحاب رسول الله بالمنافقين، ويقول عن أبي ذر إنه وعى علمًا ثم عجز عنه، ويقول عن سلمان: أدرك العلم الأول والآخر، بحر لا ينزح قعره، منا أهل البيت1.

وسئل علي عن نفسه، وهو مدينة العلم، فماذا تنتظر منه أن يقول عن نفسه، إنه يقول بكل لباقة وتواضع: كنت إذا سئلت أعطيت وإذا سكت ابتدئت.

لقد كان لا بد للمسلمين في البلاد الجديدة المفتوحة من معلمين ومرشدين، فكان طبيعيًّا أن يتفرق الصحابة في الأمصار معلمين ومرشدين ومثقفين، وكان عمر حينما يبعث صحابيًّا إلى بلد ما فإنه كان يزوده بخطاب يقدمه به إلى الناس الذين ربما وجدت كثرة بينهم لا تعرف قدره. وكان هذا الخطاب من الخليفة بمثابة تقديم وتكريم للصحابي المبعوث، فحينما بعث عمر عبد الله بن مسعود إلى الكوفة، وهو من خيرة الصحابة علمًا وفضلًا، بعث الخليفة إلى أهل الكوفة يقول لهم: إني بعثت إليكم بعبد الله بن مسعود معلمًا ووزيرًا، وآثرتكم به على نفسي فخذوا عنه.

أرأيت إيجازًا أبلغ من هذا الإيجاز وتكريمًا أطيب من هذا التكريم؟ إن أمير المؤمنين عمر -وهو من هو- يقول لأهل الكوفة في مقام تكريم عبد الله بن مسعود: لقد آثرتكم به على نفسي، إن المسألة في الواقع لا تكمن في تكريم ابن مسعود بقدر ما تهدف إلى تكريم العلم نفسه، أما وأن عبد الله بن مسعود من العلماء، فهو لعلمه وفضله جدير بالإجلال والتكريم.

لقد توزع الصحابة في الأمصار معلمين للناس ومستشارين وحكامًا ومفتين، ثم كان لكل صحابي مدرسة من مريديه، وهؤلاء المريدون هم التابعون، وكان للتابعين مريدون أيضًا فعرفوا بتابعي التابعين، وهكذا اتسع نطاق الثقافة الدينية ورحبت آفاقها على يد هؤلاء وأولئك في هذا المصر أو ذاك، فنشأت نواة الحركة العلمية العقلية بعد جيلين أو ثلاثة من جيل الصحابة والتابعين.

وواضح أن علماء الدين كانوا جميعًا -في أول الأمر- من العرب، غير أن الإسلام لا يفرق بين عربي وغير عربي، والعلم ملك للجميع، يسموا قدر المرء بقدر ما يغترف من علم وبقدر ما يتحلى به من مكرمات، وكان طبيعيًّا أن يقدم الموالي على التعلم، فلا تلبث طبيعة العلم أن تجعل رءوس العلماء في الأمصار الإسلامية منهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015