على أيديهم. فقد سمع شعبة بن الحجاج، والحمادين: حماد بن الزبرقان وحماد الراوية، وسليمان بن المغيرة، وقرة بن خالد، وأبا زيد الأنصاري وهم صفوة من الأعلام والعلماء.

وكما أفاد الأصمعي من هؤلاء وغيرهم، فقد كان صاحب حلقة درس كبيرة يجتمع إليه الباحثون عن المعرفة فيسمعونه ويأخذون عنه وفي مقدمة هؤلاء عبد الرحمن بن أخيه عبد الله، وأبو حاتم السجستاني، وأبو عبيد الله القاسم بن سلام، وأبو الفضل الرياشي، وأحمد بن محمد اليزيدي وأبو العباس الكديمي وغيرهم1، وكل هؤلاء يمثلون قمة العلم في زمانهم في النحو واللغة، والرواية، والشعر، والنوادر، والأخبار.

لقد كان الأصمعي جديرًا بمكانته العلمية لذكائه المفرط وصدقه واستقامته، فقد ذكر بنفسه أنه يحفظ من الأراجيز وحدها ستة عشر ألف أرجوزة، وفي رواية عشرة آلاف أرجوزة، وسواء أكان العدد عشر آلاف أو ستة عشر ألفًا فإن ذلك يدل على حافظة قليلة النظير بين العلماء، وروي عن ذاكرته أخبار أخرى مثيرة2 نذهب إلى تصديق أكثرها؛ لأن صفوة الأئمة والعلماء والأدباء والشعراء قد امتدحوه وأكثروا في إطرائه، فالإمام الشافعي يقول3: ما رأيت بذلك العسكر أصدق من الأصمعي. وفي وصف آخر له قوله: ما عبر أحد عن العرب بأحسن من عبارة الأصمعي، والإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين يثنيان عليه4، وشهادة هؤلاء الثلاثة الأئمة ترفع قدر الأصمعي درجات، وهذا إسحاق الموصلي، يقول: لم أر كالأصمعي يدعي شيئًا من العلم فيكون أحد أعلم به منه.

وبلغ من ثقة الخاصة والمثقفين بعلم الأصمعي أن المأمون -وهو من نعرف علمًا وثقافة- كان قد أرسل إليه في البصرة يستقدمه إلى ندوته لكي يستعين بعلمه وفضله فيما يعن له من مشاكل لغوية أو أدبية، ولكن الأصمعي كان من تقدم السن وضعف الشيخوخة بحيث لم يستطع أن يستجيب إلى رغبة المأمون في السفر إليه، فكان المأمون يجمع المسائل ويبعث بها إليه في البصرة فيجيب عنها5.

والحق أن الرجل على مخالطته الخلفاء ورجال البلاط والوزراء -ومخالطة هؤلاء وأمثالهم قد تدفع بأكثر الناس إلى شيء من النفاق والرياء- كان صدوقًا عفًّا متدينًا إلى المدى الذي كان يجعله يحجم عن تفسير آية من الكتاب العزيز أو شرح حديث شريف خشية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015