توالى على كتابة الوحي عدد غير قليل من الصحابة، منهم عثمان بن عفان، وأبان بن سعيد، وخالد بن سعيد، والعلاء بن الحضرمي، ومعاوية بن أبي سفيان، ثم حنظلة بن الربيع الذي عرف من أجل ذلك بحنظلة الكاتب، على أن كتابة هذا الرعيل الأول من الكاتبين لم تكن تخلو من بعض الأخطاء الإملائية التي لم تكن من الجسامة بحيث تفسد التلاوة.
إن الرسالة السامية الجديدة تؤمن بالعلم، وتمهد لتنوير القلوب والعقول، وإن أولى آيات كتابها العزيز لفظ اقرأ وهي تمجد القلم وما يسطر: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} 1 وهي تخاطب العقل وتطلب إليه أن يتأمل: {فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ} 2 وتدفع به إلى يتدبر، {فَلْيَنْظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ، أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً، ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً، فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً، وَعِنَباً وَقَضْباً، وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً، وَحَدَائِقَ غُلْباً، وَفَاكِهَةً وَأَبّاً، مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ} 3 ثم تسوقه وتشوقه إلى متابعة أحداث الكون المعجزة {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ} 4 {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} 5 {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} 6.
كان طبيعيًّا أن يهدف الإنسان إلى المعرفة في نور الدين الجديد، وتحصيل المعرفة محتاج إلى القراءة والكتابة، فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تعلم الكتابة حتى إنه كان بعد غزوة بدر يطلق سراح الأسير إذا علم عشرة من صبيان المدينة الكتابة والقراءة.
بل من المأثور أن الرسول كان يدعو إلى تعلم اللغات الأجنبية، فقد قال لزيد بن ثابت: "تعلم كتاب يهود فإني ما آمنهم على كتابي" كما أمره بتعلم السريانية فتعلمها.
وفي نطاق هذه التوجيهات، وبسبب انتشار الإسلام، ما فتئ الداخلون في الدين الجديد من غير العرب يتعلمون العربية ليتعرفوا إلى أصول دينهم، وانتشرت اللغة العربية بينهم وانتشر معها تعلم الكتابة والقراءة، وتبع ذلك تعلم النحو النظر في الأحكام العامة من زواج وطلاق ومعاملات ونظم عامة، فبدأت المعرفة توطد أسسها وتعلي بنيانها، وأمكن