من سلطان في مثل تلك المناسبة في أي عصر من العصور، والمثال على ذلك واضح في تعامل أبي الفرج الأصبهاني مع الوزير المهلبي، أو في تعامل العلماء في الأندلس مع ملوكها1.

والسبب الرابع: هو أن الكثرة الغالبة من هؤلاء العلماء قد آتاهم الله بسطة في العمر وفسحة في الأجل قضوها كلها في تحصيل العلم، ثم في التأليف فيه، وكان متوسط أعمارهم بين الثمانين والمائة، فالأصمعي عاش مائة سنة وأربع سنوات، ويونس بن حبيب عاش ثمانية وثمانين عامًا، وهشام الكلبي عاش نحوًا من مائة سنة، وأبو عبيدة عاش تسعة وتسعين عامًا، والهيثم بن عدي عاش سبعة وتسعين عامًا، والمدائني عاش ثلاثة وتسعين عامًا، وابن الأعرابي عاش واحدًا وثمانين عامًا، والجاحظ عاش مائة عام وخمسة أعوام، وأبو العباس ثعلب عاش واحدًا وتسعين عامًا، وابن طيفور عاش ستة وسبعين عامًا، والمرزباني عاش سبعة وثمانين عامًا، والثعالبي عاش ثمانين عامًا.

وأما الذين ماتوا صغارًا فابن قتيبة الدينوري وقد عاش ثلاثة وستين عامًا والخليل بن أحمد وقد عاش سبعين عامًا، وأبو محمد اليزيدي، وقد عاش أربعة وستين عامًا.

ليست هذه وحدها أسباب العطاء، وإنما جوهر العقول وترابط المجتمع ثقافيًّا، والمثل الخلقية في إتقان العمل، والقيم الإنسانية في احترام عقل الإنسان، ورحيق الحضارة الإسلامية وقوة دفعها ونضارة وجهها وصفاء جوهرها وسماحة عنصرها، كل ذلك كان سندًا للعلماء كي يتفرغوا ونداء للعلم كي يبزغ ويتلألأ ويعم ويترعرع ويشيع ويضيء.

فإلى لقاء مع بعض هذه الصفوة من العلماء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015