الباب الثالث: رواد التأليف الأدبي غير المتخصص

الفصل الأول: التأليف يبدأ شاباًَ بغير طفولة

بدأ التأليف في الأدب في زمن مبكر كل التبكير، فبعد مرحلة الرواية والسماع والتدوين التي لم تستمر -كمرحلة- طويلًا وأنتجت كثيرًا، لم تلبث العقليات العربية الكبيرة أن عكفت على التفرغ للتأليف والعطاء في علوم العربية المختلفة وفنونها، ومن بينها المؤلفات الأدبية بطبيعة الحال.

وفي بداية كل قضية جديدة تكون -عادة- عناصرها متشابكة ومناهجها متداخلة، وهذا الأمر قد حدث بالنسبة للتأليف الأدبي في أول العهد به، فلقد انبثق هذا النوع من التأليف مشتبكًا مع التأليف في علوم اللغة بفروعها من نحو وصرف ورواية وأخبار وأنساب وشعر ونوادر.

غير أن ذلك لم يمنع من ظهور التأليف الأدبي الدقيق اعتبارًا من النصف الثاني من القرن الثاني عندما بدأ عالم العربية الكبير، أبو عثمان الجاحظ يطرق موضوعات الأدب طرقًا واضحًا ومباشرًا في أكثر ما كتب من كتب ورسائل. وتتكرر الظاهرة نفسها مع معاصره العظيم ابن قتيبة الدينوري. ولا يلبث المعنيون بالأدب من حيث هو أدب بمفهومه الحديث، أن يثروا المكتبة العربية بمؤلفاتهم القيمة الثمينة من أمثال المبرد وابن طيفور وثعلب وأبي بكر الصولي وأحمد بن عبد ربه وأبي الفرج الأصفهاني وأبي منصور الثعالبي.

ولكنه من العدل بمكان أن نعرض لأولئك الذين أسهموا في التأليف في الأدب في نطاق مفهومه القديم ومفهومهم أنفسهم آنذاك. وإذا كان لنا أن نتمثل بذكر أسماء بعضهم على التسلسل الزمني فإنه من العدالة أن نذكر كلا من المفضل الضبي، الخليل بن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015