صول، ويلمع منها ثلاثة: الوزير عمرو بن مسعدة الكاتب البليغ ذو القلم الرهيب والرأي الحصيف. إن رواتب قواد المأمون وجنوده تتوقف وتتأخر، ومعنى ذلك في زمن العباسيين وثورة تطيح بالخلافة والحكم، وإن أمرًا كهذا أودى بخلافة موقتة تسنم سدتها إبراهيم بن المهدي، وبخلافة أخرى كان على سدتها المعتز بالله بن المتوكل. وإذا ما أراد أي كاتب أن يكتب للخليفة في مثل هذا الأمر فر مفر من أن يهتز القلم في يده ليصدر عن عبارات الإنذار والخوف وتوقع المكروه. ولكن عمرو بن مسعدة يبلغ الخليفة بهذا الأمر الخطير على هذا النهج من المقال: "كتابي إلى أمير المؤمنين ومن قبلي من قواده وسائر أجناده في الانقياد والطاعة، على أحسن ما تكون عليه طاعة جند تأخرت أرزاقهم، وانقياد كفاة تراخت أعطياتهم، واختلت لذلك أحوالهم، والتاثت معه أمورهم"1.

هذا أيضًا ضرب جديد من بلاغة القول ونبوغ التنبيه وبراعة التعبير، ولذلك فإن المأمون الخليفة يمسك بالكتاب في يده، ويعيد قراءته، يصعد البصر فيه ويصوبه ويقول لسامعه: قرأت كتابًا وجدته نظير ما سمعت الرشيد يقوله في البلاغة، فإني سمعته يقول: "البلاغة التباعد من الإطالة، والتقريب من البغية، والدلالة بالقليل من اللفظ على الكثير من المعنى".

ويلمع نجم آخر في أسرة الصوليين في الكتابة والشعر، إنه إبراهيم بن العباس الصولي. إنه يكتب رسالة في خمسة أسطر لا غير على لسان المتوكل إلى أهل حمص وكانوا خارجين عليه متعصبين ضده، فما تكاد تقرأ على منبرهم حتى تخمد الفتنة لقوة ما صدعت الرسالة على قصرها من أفئدتهم، إنها أربعة أسطر وبيت شعر، وفيها يقول إبراهيم:

أما بعد، فإن أمير المؤمنين يرى من حق الله عليه ما قوم به من أود، وعدل به من زيغ، ولم به من منتشر، استعمال ثلاث يقدم بعضها على بعض، أولاهن ما يتقدم به من تنبيه وتوقيف، ثم ما يستظهر به من تخدير وتخويف، ثم التي لا يقع بحسم الداء غيرها:

أناة، فإن لم تغن عقب بعدها ... وعيدًا، فإن لم يغن أغنت عزائمه2

إن المتوكل يسمع الكتاب يتلى على مسامعه قبل إرساله، فينظر إلى صديقه ووزيره الفتح بن خاقان قائلًا له بل صارخًا في إعجاب: أما تسمع؟!!

هذا ما كان من إبراهيم الصولي والكتابة، وأما في ميدان الشعر فإن دعبلًا الخزاعي الشاعر المطبوع المرموق يقول عنه: لو تكسب إبراهيم بن العباس بالشعر لتركنا في غير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015