ثم الإقامة في مصر، حتى رأى أنه من اللائق أن يستأذن صاحب مراكش وأميرها في كتاب رقيق تمثل فيه قول الشاعر الحضرمي علي بن عبد العزيز:
محبتي تقتضي مقامي ... وحالتي تقتضي الرحيلا
هذان خصمان لست أقضي ... بينهما خوف أن أميلا
فلا يزالان في خصام ... حتى أرى رأيك الجميلا
فأجابه صاحب مراكش إجابة تنم عن تقديره للرجل من الناحية الشخصية ومن الناحية العلمية على حد سواء قائلًا:
لا أوحش الله منك قومًا ... تعودوا صنعك الجميلا
وصل المقري إلى مصر سنة 1028، وكان التكريم والإجلال حسبما سبق القول، ويتزوج من أشراف مصر، ويصبح صهرًا للسادة الوفائية، وكانوا أصحاب المكانة العليا في القاهرة آنذاك ولفترات طويلة من الزمان قبل ذاك وبعده.
ولسبب غير معروف على وجه الدقة يشكو المقري مصر وأهل مصر بشعره حينًا وتمثلًا بشعر شعراء آخرين حينًا آخر، سأله بعض الناس عن حاله بمصر فأجاب: دخلها قبلنا ابن الحاجب وأنشد فيها:
يا أهل مصر وجدت أيديكم ... في بذلها بالسخاء منقبضه
لما عدمت القرى بأرضكم ... أكلت كتبي كأنني أرضه
بل إنه لا يلبث أن ينشئ أبياتًا يشكو فيها حاله وعيشه في مصر شكوى مريرة وذلك في قوله:
تركت رسوم عزي في بلادي ... وصرت بمصر منسي الرسوم
ورضت النفس بالتجريد زهدًا ... وقلت لها عن العلياء صومي
ولي عزم كحد السيف ماضٍ ... ولكن الليالي من خصومي
ولما لم يكن البخل من صفات أهل مصر ولا الإساءة إلى الغريب من شيمهم إلا في حالة واحدة، هي حالة الاعتداء عليهم أو الاستعلاء على أقدارهم، ولا نظن أن المقري قد فعل ذلك، فإننا نستنتج أن المقري كان غير سعيد في بيته، ضائق الذرع بزوجته التي ربما لم تقدره حق قدره ولم تهيئ له أسباب الحياة السعيدة، وإذا لم يكن المرء سعيدًا في بيته