2- وثاني هذه الكتب لمؤلفنا الكبير كتابه "القدح المعلى في التاريخ المحلى" وهو كتاب كبير يذكر مؤرخو الأدب أنه يضم العديد من المجلدات، ولم يكن كتاب "القدح المعلى" خاصًّا بأدب الأندلس والمغرب وأدبائهما -فحسب. فإن هذه الآداب كانت موضوع الجزء الأول من الكتاب- بل شمل الكتاب مراحل باكرة من مراحل الأدب العربي وتاريخه، فإن القسم الثاني من "القدح المعلى" يطلق عليه كتاب "نشوة الطرب في تاريخ جاهلية العرب" ثم يتلوه قسم ثالث هو "مصابيح الظلام في تاريخ الإسلام".

هذا وكتاب "القدح المعلى".. لم يصل إلينا، وإنما الذي بين أيدينا اختصار له أعده أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن خليل، وقد حققه إبراهيم الإبياري تحت إشراف الدكتور طه حسين. ويختلف كتاب "القدح المعلى.." عن أخيه الأكبر "المغرب.." وعن أخيه الأصغر "رايات المبرزين.." بأنه مختص برجال عصره وحدهم دون سواهم، أولئك الذين رأى أكثرهم وجالس بعضهم، ونادم لفيفًا منهم، ورافق ثلة منهم مقيمًا وظاعنًا.

ويضم "اختصار القدح" سبعين ترجمة لأعلام العصر، يجري فيها المؤلف على سجيته ويستجيب لقلمه إطالة وتفصيلًا، ولا بأس من أن يكون المؤلف قد أورد لبعضهم ترجمة في المغرب من قبل، ولكن فرقًا كبيرًا في التفصيل وكثرة إيراد النصوص يبدو واضحًا أيما وضوح في "القدح" أكثر منه في المغرب، فعلى سبيل المثال يترجم ابن سعيد في "القدح" للرئيس أبي عثمان سعيد بن حكم في أربع عشرة صحيفة مع إيراد الكثير من نصوص شعره بينما لا يذكر له في "المغرب" أكثر من بيتين اثنين1 ويمكن أن يقال الشيء نفسه عن ابن سعيد في ترجمته لصديقه إبراهيم بن سهل الإسرائيلي في كل من الكتابين، فحين لا يعرف به في "المغرب.." بأكثر من ثلاثة سطور، ولا يورد له أكثر من ثلاثة أبيات2 من الشعر، نجده يفرد له في "القدح المعلى.." أو بالأحرى "اختصار القدح" ثلاث عشرة صحيفة مثبتًا له الكثير من النصوص الشعرية المتنوعة الموضوعات والأشكال والألوان3.

هذا ويتميز "القدح المعلى.." من "المغرب.." بأنه يضم ترجمات مطولة نوعًا ونتاجًا شعريًّا ونصوصًا نثريًّة لكثير من أعلام عصره النجباء الذين لم يسبق أن ذكرهم أو ترجم لهم في كتابه الكبير "المغرب.." ومن ثم فإن كتاب اختصار القدح المعلى.." و"القدح المعلى.." نفسه - إذا عثر عليه مصدر نفيس للأدب الأندلسي رجالًا وأعيانًا، تاريخًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015