العين. وذهبا فاطلعا على الكراريس، وشكر موسى لصاحبها ثم قال لابنه: "إني سررت بهذه الفائدة أكثر من الولاية، وإن هذا والله أول السعادة وعنوان نجاحها"1.
وفي مقام ترجمة علي بن موسى لوالده الأمير موسى بن سعيد الذي نحن بصدده تقديم شيء من أخباره قوله: "ومما شاهدت من عجائبه -أي من عجائب موسى- أنه عاش سبعًا وستين سنة، ولم أره يومًا تخلى عن مطالعة كتاب أو كتابة ما يخلده، حتى إن أيام الأعياد لا يخليها من ذلك، ولقد دخلت عليه في يوم عيد، وهو في جهد عظيم من الكتب "الكتابة"، فقلت له: يا سيدي أفي هذا اليوم لا تستريح؟ فنظر إلي كالمغضب وقال: أظنك لا تفلح أبدًا، أترى الراحة في غير هذا؟ والله لا أحسب راحة تبلغ مبلغها، ولوددت أن الله تعالى يضاعف عمري حتى أتم كتاب "المغرب" على غرضي"2.
إن مثل هذا الأمير العالم الجليل للكتب المغرق في القراءة الدائب على الاطلاع لا بد وأن يكون إسهامه في الكتاب الذي يؤلفه أبوه وعمه وجده والحجاري إسهامًا نفيسًا ذا نفع وقيمة وأثر.
تنتهي حياة الأمير الوزير العالم الأديب الشاعر المؤلف موسى بن محمد بن عبد الله بن سعيد على النحو الذي ذكرنا بالإسكندرية، فينهض بالعمل في إتمام كتاب "المغرب" ولده علي بن موسى الذي كان قد أرسله أبوه إلى إشبيلية لينهل من مصادر العلم فيها ويتثقف على كبار علمائها آنئذ، وكانت تضم حفنة من أعلام العصر المرموقين، ويكون زميله في الدراسة إبراهيم بن سهل الإسرائيلي الذي صار فيما بعد واحدًا من ألمع وزراء الأندلس وأرق شعرائها وأبرع وشاحيها.
ولئن أصاب إبراهيم بن سهل الإسرائيلي شهرته العريضة في ثنايا التاريخ بفنه الرقيق، وشعره العذب وتواشيحه الأنيقة فإن علي بن موسى قد أصاب شهرته بالسير في الدرب الذي اختطه جده الأعلى عبد الله بن سعيد وسار فيه من بعده بقية هذه الدوحة العالمة الجليلة في تأليف كتاب "المغرب".
والحق أن علي بن موسى الذي ينتسب نسبه ونسب قومه إلى الصحابي الجليل الشهيد عمار بن ياسر كان من الإقبال على العلم والولع بالتحصيل بحيث جعله لسان الدين بن الخطيب "وسطى عقد بيته، وعلم أهله، ودرة قومه". ويمضي ابن الخطيب في إيفاء العالم الجليل حقه فيقول عنه "المصنف الأديب الرحالة، الطرفة، الأخباري العجيب الشأن في