من المسلمات التاريخية أن العلماء في الأندلس لم يكتبوا عن آدابهم، وعلومهم وتاريخهم إلا في وقت متأخر نسبيًّا، فإن أول كتاب كتبه أندلسي -فيما نعمل- هو "كتاب القضاة بقرطبة" لمؤلفه محمد بن حارث الخشني1 المتوفى سنة 360هـ، والخشني ليس أندلسيًّا بالميلاد، وإنما هو تونسي من القيروان، دعاه إلى قرطبة الخليفة الأموي الأندلسي المثقف الحكم المستنصر بن عبد الرحمن الناصر، وكان الحكم المستنصر قد أنشأ مكتبه نفيسة فريدة تضم أربعمائة ألف مجلد في كل فنون العلم والآداب والفنون في ذلك الزمان التي كانت تمثل مدينة قرطبة فيه صفة العاصمة الثقافية للعالم كله. إسلامي وغير إسلامي.
مكن الخليفة المستنصر لضيفه العالم الإفريقي القيرواني في أن يقيم في قرطبة إقامة ميسرة الأسباب، وأتاح له فرصة الانتفاع بالمكتبة المستنصرية الكبيرة وطلب إليه تأليف كتاب القضاة سالف الذكر، فأذعن العالم الجليل لطلب الخليفة العالم المثقف، وفرغ من تأليف كتابه هذا قبل سنة 360هـ، وهي السنة التي توفي فيها المؤلف.
وهنا قد نسمح لأنفسنا -ما دام المؤلف غير أندلسي المولد- أن نقرر أن الكتاب من تأليف مؤلف غير أندلسي، وإنما هو إفريقي هاجر إلى الأندلس.
غير أننا نسارع إلى القول إن كتابًا آخر في تاريخ الأندلس، قد كتب في تلك الفترة الزمنية نفسها أو بعدها بقليل، إنه "تاريخ افتتاح الأندلس" للعالم الأندلسي المولد والأصل أبي بكر محمد القرطبي المعروف بابن القوطية المتوفى سنة 367هـ.