والتاريخ واللغة والأدب والأخبار، يذكره ياقوت بقوله: ختم به ديوان المحدثين، ويذكره ابن خلكان فيقول: ومن العجب أنه كان في وقته حافظ المشرق، وأبو عمر يوسف بن عبد البر صاحب كتاب الاستيعاب حافظ المغرب، وماتا في سنة واحدة1.

ويذكر مؤرخو الخطيب البغدادي خبرًا ينم عن ذكائه وأهليته للرواية وقدرته على كشف الزيف وسرعة بديهته وقوة عارضته فضلًا عن حفظه للتاريخ. أما الخبر فهو أن أحد اليهود أظهر كتابًا ادعى أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسقاط الجزية عن أهل خيبر، وفيه شهادات الصحابة، وأنه خط علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فعرض الكتاب على الخطيب فقال: هذا مزور، فقيل له: من أين لك ذلك؟ قال: في الكتاب شهادة معاوية بن أبي سفيان، ومعاوية أسلم يوم الفتح، وخيبر كانت في سنة سبع، وفيه شهادة سعد بن معاذ، وكان مات يوم الخندق سنة خمس، وهكذا أثبت الرجل بمنطقه وعلمه بالتاريخ تزوير الكتاب2.

ولم يكن مقام الخطيب كله في بغداد، فقد اضطر للاستثار والخروج منها لأسباب اختلف في ذكرها المؤرخون، ووفد إلى الشام، وأقام في "صور" مدة من الزمان تردد خلالها على القدس أكثر من مرة، ومر في طرابلس وحلب وأقام بهما وقتًا قليلًا، ثم عاد إلى بغداد قبل وفاته بعام واحد فوقف كل كتبه، وفرق أمواله في وجوه البر وعلى أهل العلم الحديث، وما لبث المرض أن حط عليه فمات في ذي الحجة سنة 463هـ تاركًا من المؤلفات مائة كتاب على رواية ابن خلكان 3 وستة وخمسين على رواية ياقوت الحموي 4 في مختلف الفنون أهمها على الإطلاق "تاريخ بغداد".

على أن للخطيب البغدادي كتبًا أخرى مطبوعة غير تاريخ بغداد منها الكفاية والرواية في مصطلح الحديث، وتقييد العلم، والتطفيل. ومن كتبه المخطوطة: البخلاء، كتاب الخيل، الفوائد المنتخبة في الحديث، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ويقع في عشرة مجلدات، الفقيه والمتفقه في اثنى عشر جزءًا، الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة الأسماء والألقاب، تلخيص المتشابه في الرسم، كتاب التنبيه، والتوقيف في فضائل الخريف. وأما كتبه في الحديث فمن الوفرة والدقة بمكان، منها -غير ما ذكرنا- على سبيل المثال: الرحلة في طلب الحديث، شرف أصحاب الحديث، كتاب المؤتنف في تكملة المختلف والمؤتلف، كتاب التبيين لأسماء المدلسين، كتاب من حدث فنسي، كتاب رواية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015