المقطوعة بيتًا واحدًا، وربما ناهز عدد أبيات القصيدة عشرين بيتًا، ولا بأس في ذلك فإن أكثر مصنفي الحماسات قد نهجوا النهج نفسه. وإن عدد أبيات حماسياتها يزيد على ستة آلاف بيت، ومجموع الشعراء الذين وردت لهم فيها نماذج ومختارات من أشعارهم يناهزون خمسمائة شاعر، ولكنها مع ذلك صورة مهتزة لحماسة أبي تمام، وعالة على حماسة البحتري والخالديين وكتب الاختيارات التي صنفها المفضل الضبي، والأصمعي وأبو يزيد القرشي والحيوان للجاحظ.
ويمكن لنا أن نستعرض منهج هذه الحماسة أو بالأحرى نقدمها على النحو التالي:
أولًا: إنها من حيث عناوين أبوابها مطابقة كل المطابقة لعناوين أبي تمام في حماسته بزيادة بابين أحدهما في الإنابة والزهد مستمدًّا نهجه من بعض موضوعات البحتري في حماسته، والثاني جديد من ابتكار المصنف هو "باب ما جاء في أكاذيبهم وخرافاتهم".
هذا وقد قام صاحب الحماسة البصرية بغارة كبيرة على حماسة أبي تمام بحيث أخذ من باب الحماسة الكبرى وحده إحدى وأربعين قطعة، وقس على ذلك في بقية الأبواب، هذا فضلًا عن أن فصولًا بأكملها مثل الغزل، والرثاء، والهجاء تكاد تكون صورة أمينة لمثيلاتها عند أبي تمام وابن الشجري من حيث الحماسية، وصاحبها أو صاحبتها.
ثانيًا: إن أخطاء كثيرة تبدو واضحة من نسبة كثير من المقطوعات إلى أصحابها والشيء نفسه في نسبة الشعراء إلى قبائلهم، أضف إلى ذلك أخطاء أخرى في ربط كثير من الشعراء بأزمنتهم، فكثيرًا ما يذكر أن الشاعر أموي بينما هو مخضرم بين الجاهلية، والإسلام، أو مخضرم بين دولتي بني أمية، وبني العباس، والأمثلة لذلك أكثر من أن تحصى.
وبمناسبة الأزمنة، فإن المصنف بالرغم من أنه عاش حتى نهاية النصف الثاني من القرن السابع 656هـ فقد وقف بشعراء حماسياته عند منتصف القرن الثالث الهجري عند دعبل الخزاعي وديك الجن، ولا نكاد نجد عنده أثرًا لشاعر بعد هذه الفترة رغم تطاول الأزمان ووفرة المصادر لديه إلا مقطوعة وحيدة للخالديين في وصف قلعة1. ومن ثم كانت فرصة المصنف في أن يفيد قارئه صغيرة طفيفة.
ثالثًا: وقع المصنف في الأخطاء المنهجية نفسها التي وقع فيها ابن الشجري، من حيث إيراد أكثر من باب في خدمة غرض واحد، وبمعنى أوضح كان من الأفضل منهجيًّا أن يجعل باب الهجاء وباب الأضياف بابًا واحدًا موضوعه الهجاء؛ لأن كل الحماسيات التي جاء بها تحت عنوان الأضياف مقسمة على فصلين تقع كلها في نطاق فن الهجاء وذلك باستثناء