وتريك ما قد فات من دهر مضى ... حتى تراه بعين فكرك ماثلا

وكان باستطاعة ابن الشجري أن يكثر من الإتيان بعديد النماذج لهذا اللون من شعر الثقافة والمثقفين، مثل وصف القلم لأبي تمام أو وصف الكتاب للعتابي، وغيرهم ممن أحسوا بجلال المعرفة وحلاوة العلم فصاغوا في أدواتهما شعرًا عذبًا جميلًا موافقًا.

رابعًا: أفرد ابن الشجري بابًا "بكامله" للملح لم يزد على أن أتى فيه بثلاث وثلاثين مقطوعة قصيرة أكثرها يمكن ردها إلى باب بعينه من أبواب الشعر -ولا بأس في ذلك- إلا أن منهجًا متكاملًا لا يستقيم بباب عدد حماسياته ثلاث وثلاثون، وباب آخر عدد حماسياته ثلاثمائة ثمان وخمسون أي ما ينوف عن عشرة أضعاف العدد.

وأكثر ملح هذا الباب ليست من الملاحة بمكان بل إن بعض ما جاء به مصنفنا في باب الهجاء ربما كان أكثر طرافة وأوفر ملاحة، على الرغم من سلاطة لسان قائله، مثال ذلك قول شاعر أغفل المصنف اسمه1:

إذا ولدت حليلة باهلي ... غلامًا زيد في عدد اللئام

ولو أن الخليفة باهلي ... لقصر عن مساعاة الكرام

أو قول الفرزدق2:

لو أن قدرًا بكت من طول ما حبست ... على الجفوف بكت قدر ابن عمار

ما مسها دسم مذ فض معدنها ... ولا رأت بعد نار القين من نار

ومهما يكن من أمر حماسة ابن الشجري فهي واحدة من أنفس الحماسات، التي وصلت إلينا وأثمنها قيمة وأرفعها قدرًا، يجد فيها الآمل بغيته وطالب الثقافة حاجته، والمتأدب زاده وعدته، وهي إحدى الثمار الجنية النفيسة التي تركها هذا العالم الجليل الذي سبق أن تحدثنا عن تحفته الأخرى "الأمالي" حسبما مر بنا ذلك في مكانه من هذا الكتاب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015