البحتري، وهي من حيث التفصيل أقرب إلى حماسة البحتري منها إلى أبي تمام، هذا فضلًا عن تغيرات في المنهج وتفصيلات في العرض وملاحظ في مجموعها سوف نسوق حديثها بعد قليل.
إنها من حيث العدد تبلغ تسعمائة وأربعًا وأربعين حماسية، ومن حيث التبويب تشمل الأبواب الآتية: باب الشدة والشجاعة، وباب اللوم والعتاب، وباب المراثي، وباب المديح، وباب الهجاء، وباب الأدب، وباب النسيب، وباب الصفات والتشبيهات، وباب الملح.
هذا ونود أن نستعرض حماسة ابن الشجري من خلال نظرة فاحصة لما اتسمت به من مواقف تتصل بالشعر والشعراء أملتها طبيعة الزمن، ولما وضح فيها من تغيرات في الموضوعات أملاها المنهج الذي اختاره المصنف لنفسه.
فأما من حيث الشعر والشعراء فإننا نلاحظ ما يلي:
أولًا: أولى ابن الشجري اهتمامًا كبيرًا للشعراء المحدثين، وبعض الأمويين فعمد إلى الإكثار من الاختيار لشعرهم بحيث يجعل منهم نجومًا لحماسته، وهم: أبو نواس، أبو تمام، البحتري، ابن الرومي، ابن المعتز، الشريف المرتضى. ومن الأمويين أكثر من الاختيار لكل من جرير والفرزدق، والأخطل.
ثانيًا: واصل ابن الشجري متابعة مسيرة الشعر حتى عصره، أي القرن السادس ولكن في تعثر شديد، فكان ضنينًا بالاختيار من شعر شعراء القرون الرابع، والخامس، والسادس، ففي الوقت الذي وفى فيه شعراء القرنين الثاني، والثالث حقهم من الاختيار لهم بدًّا وكأنه يخيل بشعراء القرن الرابع، فإذا ما اختار حماسيات لبعضهم فإنه يختار في بخل وحذر، اللهم إلا الشريف الرضي فإنه اختار له ثلاث عشرة مقطوعة أو حماسية، بل إنه مما يدعو إلى التعجب أن يتجاهل ابن الشجري أبا الطيب المتنبي شاعر العربية الكبير، فلا يأتي له إلا بمقطوعتين كل منهما بيتان قصد بهما تشبيهًا بلاغيًّا وليس هدفًا موضوعيًّا1. ويكاد يفعل الأمر نفسه مع أبي فراس الحمداني، لقد اختار له أربع قطع: واحدة في الغزل وأخرى في الرثاء واثنين في العتاب. أما الحماسة والفروسية، فإنه تجاهلهما تمامًا وكأن أبا فراس لا علاقة له بالحماسة ولا بالحرب ولا بالفروسية، وكأنهم لم يقل شيئًا من هذا القبيل في شعره، ولعمر الحق إذا لم يكن كل من أبي الطيب المتنبي، وأبي فراس الحمداني شعراء حرب