بسم الله الرحمن الرحيم
للأمة العربية قبل الإسلام خصائص تميزت بها دون غيرها من أمم العالم، من هذه الخصائص ما هو محبب مقبول، ومنها ما هو مستكره مرذول، شأن الأمم جميعًا في مراحل تاريخها ومسيرة حياتها، وإذا كانت هذه الدراسة ليست بذات طابع اجتماعي وإنما هي تعمد أول ما تعمد إلى دراسة العمق الثقافي لهذه الأمة العربية، فإننا لن نطيل في الوقوف أمام صفات الأمة العربية قبل الإسلام إلا بالقدر الذي يخدم هذه الدراسة.
كان من صفات العرب الكرم والشجاعة والحرية وإباء الضيم والفروسية والنجدة وإجارة المستجير وإغاثة الملهوف. وقد تبلورت كل هذه الصفات وتلك المميزات فيما تركه العرب الجاهليون من شعر وخطابة، إذ لم يكن العرب يملكون من الملامح الثقافية البارزة غير هذين الفرعين من فن القول، فتركوا فيهما ثروة هائلة رائعة لم تكد تترك أمة أخرى تركة مماثلة لها كمًّا وكيفًا في مثل تلك الفترة القصيرة بين إنشاء القصيد ومجيء الرسالة السماوية الإسلامية.
ومن ثم فقد كان غرام العرب بالشعر يدفعهم إلى الاعتزاز بالشعراء، وكان الشاعر يحتل من قبيلته مكان الصدارة؛ لأنه المحامي عن كرامتها، الذائد عن حرماتها، المسجل لمفاخرها، الناطق بلسانها، حتى إن القبيلة كانت تقيم الاحتفالات عندما يبزغ بين أبنائها من تتفتق ملكته عن قول الشعر الجيد، ولذلك فقد أثر عنهم أنهم كانوا يحتفلون بمولد الشاعر أي ظهوره.
وقد قيل الشيء نفسه فيما يتعلق بالخطيب، ذلك أن القبيلة كانت تحتفل أيضًا بميلاد الخطيب احتفالها بمولد الشاعر، فهو الآخر لسانها في المفاخرات، وممثلها في المنافرات التي كانت تستمر أيامًا وأسابيع. وكانت المنافرات بصفة خاصة تحتل مقام الاهتمام لا بين قبيلتي الخطيبين المتنافرين وحسب، بل بين هذه القبيلة وحلفائها وتلك القبيلة ونصرائها، ومن أجل ذلك فقد تضاربت الآراء حول من هو أحق بالتفضيل والتقديم في نطاق القبيلة، أهو الشاعر أم الخطيب؟ والحق أن القبائل لم تكن -بحكم العادات العربية- في غناء عن