فرأيت أن الحكم مجتنب الصبا ... وصحوت بعد تشوق ورواع
ويصف المسيب ناقته التي تحمله إلى ممدوحه بهذا الوصف العجيب:
وإذا تعاورت الحصى أخفافها ... دوى نواديه بظهر القاع
وكأن غاربها رباوة مخرم ... وتمد ثني جديلها بشراع
وإذا أطفت بها أطفت بكلكل ... نبض الفرائض مجفر الأضلاع
مرحت يداها للنجاء كأنما ... تكرو بكفي لاعب في صاع
فعل السريعة بادرت جدادها ... قبل المساء تهم بالإسراع
فلأهدين مع الرياح قصيدة ... مني مغلغلة إلى القعقاع*
هذا وإنه مهما اخترنا من نماذج المفضليات وقدمناها فلن نشفي لقارئ غلة، فإن المفضليات من اللون الشعري ذي الأعماق والآفاق والذي لا يصبر عليه إلا من كان أعد لفهم الشعر، فإذا كان لديه هذا الاستعداد استطاع أن يتذوق طعمه وأن يسبر عمقه وأن يقدره حق قدره. إن هذا الشعر هو الذي جعل المهدي يجلس للشعراء في مصلاه يستمع إلى المجيد فيثيبه، وإلى المقلد فيرد عليه شعره، وربما سهر مسهدًا في بيت أو بيتين من الشعر الإنساني حتى يجد من يخفف عليه ويسري عنه.