وإن تعاصرا زمانًا، فقد اختلفا إقامة ومكانة، فالمحبي دمشقي، وأما ابن معصوم فهو شيرازي الأصل مكي المولد، هندي الإقامة شيرازي الوفاة، وكما أخذ المحبي على الخفاجي بعض النقص في كتاب "ريحانة الألبا" فإن ابن معصوم قد أدرك الإدراك نفسه وأخذ على الخفاجي إهماله جماعة من مجيدي الشعراء ومفيدي البلغاء على حد تعبيره، ولكنه في الوقت نفسه يلتمس له العذر في ذلك لبعد دياره عن ديارهم وأن الليالي لم تأته بأسمائهم.
ومن ثم فقد قام باستدراك النقص الذي رآه وضمنه كتابه "سلافة العصر في محاسن الشعراء بكل مصر" وهو في سلافته قد نهج تقسيمًا مشابهًا لتقسيم المحبي. وإن كان المحبي أغزر وأوفر وأوسع مادة وشعرًا ورأيًا. المهم أن صاحب "السلافة" اختار من ترجم لهم من أهل المائة الحادية عشرة، وجعلهم في خمسة أقسام: القسم الأول جعله في محاسن أهل "الحرمين الشريفين" وجعل الثاني في "الشام ومصر ونواحيهما" والثالث في "اليمن" والرابع في "العجم والبحرين والعراق" والخامس في "أهل المغرب". ولم يقتصر نشاط ابن معصوم، على رغم كونه أعجميًّا، على "سلاسة العصر" وحدها، ولكنه مؤلف لمجموعة أخرى من الكتب الأدبية مثل "أنوار الربيع" وهو مطبوع و "سلوة الغريب" الذي وصف فيه رحلته إلى حيدر أباد كما أن له ديوان شعر.
ولما كان ابن معصوم من أعلام الشيعة على زمانه، وله في مذهبه مشاركة ودراسة، فقد ألف كتابًا لا يزال مخطوطًا تحت عنوان "الدرجات الرفيعة في طبقات الإمامية من الشيعة".
وإذا كان لنا أن نلخص سلسلة طبقات الشعراء في "طبقات الشعراء" لابن المعتز، ثم "من اسمه عمرو من الشعراء" و "الورقة" لا بن داود الجراح، ثم "يتيمة الدهر" للثعالبي، ثم "دمية القصر وزهرة أهل العصر" للباخرزي، ثم "زينة الدهر" لسعد بن علي المعروف بالحظيري الوراق، ثم "خريدة القصر وجريدة العصر" للعماد الأصفهاني، ومعها كتابه "السيل على الذيل" ثم "ريحانة الألبا وزهرة أهل الدنيا" للشهاب الخفاجي، ثم "نفحة الريحانة ورشحة طلا الحانة" للمحبي، ثم "سلافة العصر في محاسن الشعراء بكل مصر" لابن معصوم.
إن هذه السلسلة من الكتب النفيسة القيمة هي لنوع واحد من الطبقات، ولكن هناك أيضًا كتب أخرى للاختيار من شعر الشعراء نفيسة القيمة، وفيرة المادة شهيرة الفائدة بدأت بالقصائد التي اختارها المفضل الضبي للمهدي العباسي وسماها "المفضليات" ثم تتابعت السلسلة في مختارات الأصمعي التي سماها "الأصمعيات" وغيرها، ثم المختارات التي سميت بكتب الحماسة بادئة من القرن الثالث الهجري بحماستي أبي تمام والبحتري، منتهية بحماسة البارودي في القرن الماضي، ولنا في هذا الشأن حديث قريب.