وإنتاجًا بشكل مباشر حينًا وتطرق أبوابه بشكل غير مباشر حينًا آخر.
إن الخسارة التي مني بها التراث بضياع مؤلفات ابن طيفور خسارة جسيمة، ذلك أنه قدم دراسات وأورد أشعارًا لشعراء نعترف بعظمتهم وتفوقهم ولكن ليس لدينا إلا متفرقات من آثارهم، ومن هؤلاء الشعراء: العتابي، ومنصور النمري، وابن ميادة، وابن هرمة، وابن الدمينة.
ومن آثار ابن طيفور التي وصلت إلينا المجلد السادس من كتابه "بغداد" وبذلك يكون ابن طيفور قد سبق أحمد بن علي الخطيب البغدادي صاحب "تاريخ بغداد، أو مدينة السلام" بما يقارب قرنين من الزمان، فإن ابن طيفور توفي سنة 280هـ والخطيب البغدادي توفي سنة 463 ومن الطريف أن كلا من الكتابين يقع في أربعة عشر مجلدًا.
هذا ولقد قام المستشرق السويسري كلر keller بتحقيق هذا المجلد السادس من كتاب بغداد لابن طيفور ونشره، وهو يتضمن سيرة المأمون ويؤرخ للحوادث التاريخية ما بين عامي 204 و 218 هجرية.
وأما كتاب "المنثور والمنظوم" الذي يقع في أربعة عشر جزءًا، فقد وصل إلينا منه مجلدان اثنان هما الحادي عشر والثاني عشر، فأما الحادي عشر فلقد طبع تحت عنوان "بلاغات النساء وطرائف كلامهن، وملح نوادرهن، وأخبار ذوات الرأي منهن، وأشعارهن في الجاهلية والإسلام" لقد وضع ناشر الكتاب هذا العنوان الطويل الذي يكاد يشكل فهرسًا لمحتويات الكتاب، ولكن لا بأس في ذلك، فإن هذا العنوان يدل دلالة واضحة على مدى الجهد الذي يبذله المؤلف في جزء واحد من أجزائه، فكيف يكون محتوى الأجزاء الأربعة عشر على هذا القياس!! وأما المجلد الثاني عشر فلا يزال مخطوطًا.
وابن طيفور في هذا الجزء من "المنثور والمنظوم" الذي طبع تحت عنوان "بلاغات النساء" يعتبر من أطراف الكتب موضوعًا وأنفسها قيمة، وأكثرها احتواء لكل نادر من القول وكل طريف من الحوادث، وكل ما أملاه الذهن المتوقد به سرعة البديهة وقوة العارضة للمرأة العربية.
هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى يدل الكتاب على ظاهرة في التأليف العربي المبكر لها قيمتها وخطرها، ونعني بذلك ظاهرة التخصص، فهذا الجزء من مؤلف ابن طيفور يتعلق ببلاغة المرأة وأخبارها، وليس فيه من شيء يتعلق بالرجال إلا إذا كان مرتبطًا بالمرأة صاحبة الخبر أو النادرة أو النص الأدبي، ومن ثم يكون العرب قد عرفوا التخصص الباكر حينما بدأوا يرفدون المكتبة العربية النافع من فيض عقولهم وعطاء قرائحهم.