ولعل المبرد من الأدباء الكبار القليلين الذين لم يتولوا مناصب رسمية، وكان الشعراء يمدحونهم لفضلهم وعلمهم، فمن الأبيات التي مدح بها المبرد قول أحد الفتيان:

وإذا يقال من الفتى كل الفتى ... والشيخ والكهل الكريم العنصر

والمستضاء بعلمه وبرأيه ... وبعقله قلت: ابن عبد الأكبر

وكان أبو العباس المبرد، وأبو العباس ثعلب متعاصرين يعيشان في بغداد، وكلاهما عالم جليل، وبخاصة في علوم النحو واللغة، وكان المبرد إمام البصريين وثعلب إمام الكوفيين، وكان ثعلب على علمه الوفير وفضله الكثير يأبى الاجتماع بالمبرد، ويهرب من ملاقاته ويتفادى مناظرته ويكره لقاءه. فسئل أبو عبد الله الدينوري ختن ثعلب وصديقه: لماذا يأبى ثعلب الاجتماع بالمبرد؟ فأجاب: لأن المبرد حسن العبارة حلو الإشارة فصيح اللسان ظاهر البيان، وثعلب مذهبه مذهب المعلمين، فإذا اجتمعا في محفل حكم للمبرد على الظاهر إلى أن يعرف الباطن1.

ومن واقع هذا الحال كان الشعراء إذا مدحوا المبرد انطلقوا من موقع مقارنته بأبي العباس ثعلب وتفضيله عليه، فإذا كان ثعلب في الأصل فاضلًا عالمًا كان في تفضيل المبرد عليه قرينة تمجيد وتكريم. فمن المدائح التي مدح بها المبرد وتسير في هذا المضمار قول أحد الشعراء2:

رأيت محمد بن يزيد يسمو ... إلى العلياء في جاه وقدر

جليس خلائق وعدي ملك ... وأعلم من رأيت بكل أمر

وفتيانية الظرفاء فيه ... وأبهة الكبير بغير كبر

وينثر إن أجال الفكر درًّا ... وينثر لؤلؤًا من غير فكر

وقالوا ثعلب رجل عليم ... وأين النجم من شمسٍ وبدرِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015