حتى إن بعض هذه المحاولات، جاءت من أكثر الهيئات الثقافية محافظة على القديم وغيرة عليه، ألا وهي الأزهر، على أن هذه المحاولات قامت دائما على الذكاء، والاجتهاد الشخصيين ولم تقم على فلسفة لها عمقها في فهم اللغة. ولست أدعي لنفسي قسطا من الذكاء الشخصي، أكبر من حظ هؤلاء الذين قاموا بهذه المحاولات، بل إنني لا أسمح لنفسي -وهم أساتذتي الأجلاء- أن أساوي ذكائي بذكائهم الذي أشهد لهم به، ولكنني لا أستطيع أن أغمط حق النظرية، التي بنيت عليها هذه الدراسة، وهي نظرية جاءت نتيجة تجارب القرون في الغرب، فهيكلها غربي، وتطبيقها على اللغة العربية هو القسط الذي أنا مسئول عنه في هذا الكتاب.

ولقد جئت في هذا الكتاب بشرح مناهج الفروع الرئيسية في الدراسات اللغوية، وكم كنت أود أن يتسع الزمان، والمكان لدراسة فصول ثلاثة أخرى هي:

1- التركيب والتحليل في اللغة.

2- المستوى الصوابي والمجتمع اللغوي.

3- الأبجدية "وظيفتها وتاريخها وإصلاحها"، ولعل المستقبل كفيل بأن أخصص لهذه الفصول الثلاثة مجلدا مستقلا، أقوم فيه على شرحها.

ويقوم تطبيق النظرية في هذا الكتاب على اللغة العربية الفصحى أولا، وقبل كل شيء، وحين يقضي المقام بالتمثيل من اللهجات العامية، يجد القارئ أن معظم الأمثلة، قد جاءت من لهجة الكرنك بمديرية قنا، وقد درستها لرسالتي التي حصلت بها على الماجستير من جامعة لندن، ولهجة عدن في جنوب بلاد العرب، وقد حصلت بدراستها على الدكتوراه من نفس الجامعة، فأما ما عدا ذلك من ذكر لهجات أخرى، فأمثلته مقتبسة من بطون المراجع، أو من ذاكرتي السمعية.

وتبدو الحاجة ملحة في أيامنا هذه إلى بناء الدراسات اللغوية على منهج له فلسفته، وتجاربه إراء للروح العلمية الخالصة من جهة، وتوفيرًا لجهود عشاق اللغة من جهة أخرى، فقارئ اللغة العربية في الوقت الحاضر، يجد نفسه أمام أمشاج من الأفكار غير المتناسبة يأتي بعضها من المنطق، وبعضها الآخر من الميتافيزيقا، وبعض ثالث من الأساطير، ورابع من الدين وهلم جرا، ومن هنا كانت الرغبة ملحة إلى تخليص منهج اللغة من هذه العدوى، حتى يسلم لقارئ اللغة نص في اللغة واللغة فحسب، غير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015